fbpx
أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

الدكتورة مني مينا تكتب: التأمين الصحي الذي نريده

 

التأمين الصحي الاجتماعي الشامل هو حلم المصريين في خدمة صحية محترمة ، تغطي جميع المصريين و تعالجنا من جميع الأمراض كما نص الدستور ، و لكننا نجد أخر نسخة من مشروع قانون التأمين الصحي و هي النسخة التي وافق عليها مجلس الوزراء أمس ، أبعد ما يمكن عن هذا الحلم …

التأمين الصحي هو نظام صحي يعتمد على دفع كل المواطنين لإشتراك ثابت كنسبة من الأجر او الدخل الشامل ، و تدفع الدولة إشتراك غير القادرين و الأطفال ، ليتكون وعاء تمويلي كبير ، و يستطيع المواطن أن يحصل على علاجه عند الحاجة له دون أن يطلب منه الدفع عند الإحتياج للعلاج ، حيث قد يكون قادر و قد يكون غير قادر على الدفع ..

أما النسخة التي وافق عليها أمس مجلس الوزارء ، فهي تلزم المواطن ليس فقط بدفع الاشتراك بشكل ثابت لنفسه و لزوجته إذا كانت لا تعمل ، و لأطفاله و لكل من يعولهم ، و لكنها أيضا تلزمه بدفع “مساهمات” كنسب ثابته من تكلفة العلاج عند الإحتياج له ، و هذه النسب ليست نسبا رمزية (عشرة جنيهات مثلا على كل روشتة ) و لكنها نسب مئوية تصل إلى 20% من قيمة الدواء و 10% من قيمة الأشعات و 5% من قيمة الدواء بدون حد أقصى ، و كلنا نعلم القيم الخرافية التي تصل لها بعض الاشعات و التحاليل و الأدوية ، أيضا يعطي مشروع القانون للخبير الإكتواري حق زيادة المساهمات التي يدفعها المريض عند تلقي الخدمة حال وجود عجر في التوازن المالي ، الأفدح أن مشروع القانون في نسخته الأخيرة ألغي حتى الإعفاء من دفع المساهمات الذي كان موجودا في النسخ السابقة للفئات الغير قادرة ، و بذلك أصبح أصحاب المعاشات و أصحاب الأمراض المزمنة و غير القادرين و أطفال الشوراع اللذين تدفع الدولة عنهم قيمة الإشتراك ملزمين بدفع “المساهمات” عند تلقي العلاج و إلا منعوا من الإستفادة بالعلاج ، كما ربط القانون بين سداد الأب لأقساط التأمين الصحي عن أبنائه و بين إستمرار الأبناء في الدراسة ، في سقطة شديدة تفتح الباب واسعا أمام إزدياد التسرب من التعليم وإزدياد نسب الأمية.

أما أخطر ما في مشروع القانون فهو هذه القصة الخاصة ب”التعاقد مع المستشفيات الحكومية أو الخاصة تبعا للجودة” و خروج المستشفيات التي لن تحوز الجودة من تقديم الخدمة ، حيث تفتح هذه المادة الباب واسعا أمام طرح هذه المستشفيات للشراكة مع القطاع الخاص لتطويرها و إدارتها بقواعده ، فكلنا نتذكر الحجج التي سمعناها بالأمس القريب عند مناقشة خطط تطوير مستشفيات التكامل و ملخصها أن الدولة لن تستطيع القيام بالتطوير وحدها و يجب أن نعطي فرصة لمساهمة القطاع الخاص في تطوير المستشفيات و الشراكة فيها ، و بذلك تضيع المستشفيات التي بناها الشعب من أمواله عبر عشرات السنين ، و نعطي اليد العليا للقطاع الخاص للتحكم في أسعار تقديم الخدمة ، مما سيحمل التأمين الصحي بتكلفة عالية ستدفعه بالتأكيد لرفع عبء الإشتراكات و المساهمات على المرضى .

تساؤل هام أخر ، كيف يتحدث مشروع القانون عن “معايير الجودة” في منظومة صحية تعاني من عجز شديد في التمريض (حوالي 50% عجز عام في أعداد التمريض و عجز 75% في تمريض المستشفيات ) و عجز نسبي في الأطباء و خصوصا التخصصات الحرجة و التخدير، و عجز رهيب في القدرة على توفير الأدوية و المستلزمات العلاج الأساسية بدءا من المحاليل والجوانتيات و حتى القساطر؟؟ هل قمنا بالجهد اللازم لتوفير هذه المقومات الأساسية للخدمة الصحية ،و هل وضعنا أي نوع من التخطيط لتوفير قائمة الأدوية و المستلزمات الأساسية ، و تحفيز التمريض و الأطباء ، أم إننا نترك المنظومة الصحية تفتقد الدعامات الأساسية لتقديم الخدمة ، ثم نتجرأ بالحديث عن “معايير الجودة” !!!

أخيرا يهمني أن أؤكد ، ما يزال “التأمين الصحي الإجتماعي الشامل” الذي نص عليه الدستور ، حلم لي و لكل المصريين ، لتوفير منظومة صحية محترمة تكفل العلاج بكرامة للمرضى و فرص العمل الكريمة للأطباء و أعضاء الفريق الصحي ، و لكن لأني أسعى لتأمين صحي إجتماعي شامل حقيقي ، فيجب أنبه أن المشروع المطروح بيبتعد بنا جدا عن هذا الحلم ، و الأخطر أنه يهدد بفقدنا لمستشفياتنا الحكومية ، و بالتالي يهدد بفقدنا للعمود الفقري للقدرة على تحقيق حلمنا غدا أو بعد الغد …

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى