fbpx
أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

د. أحمد حسين يكتب: الصحة في سوهاج و المحافظات ..بين معاول البناء و الهدم

(ترى،هل العلة في المعول أم فيمن يحمل المعول..هكذا قال لنفسه أحد العمال بعد أن سمع حوارً بين معول للهدم و أخر للبناء،يحكي كل منهما للأخر عن سيرة صاحبه الذي كان يستخدمه في الماضي)،قصة رمزية خيالية كانت تُحكى لنا قديماً للدلالة على الفارق بين استخدام الآليات و السلطات لكل شخص،فهناك من يستخدمها في البناء و أخر في الهدم،و بيان تأثير كل منهما.

ما أكثر دلالة هذه القصة على كثير من الأحداث في يومنا،أعايشها في أحوال الصحة بطبيعة مهنتي و في متابعتي لها بالمحافظات المختلفة،و إن تجلت الأيام الأخيرة من نوفمبر الماضي في محافظة سوهاج لكثرة الوقائع المتباينة..في حرب تأخرت كثيراً حتى استفحل الدجل و اتخذت الشعوذة من بعض الفضائيات طريقاً للوصول إلى البسطاء،اتخذت مديرية الصحة بسوهاج قرارً بخوض تلك الحرب فعدة شهور كانت حصيلتها إغلاق بعض الأماكن التي تتاجر بصحة المواطن و يمارس فيها الدجل منتحلي صفة الطبيب أو المعالج،أخرها و أكثرها فجاجة كانت منذ أيام بغلق مركز للكشف و صرف العلاج منتحل صفة الطبيب فيه شخص يُدعى الشيخ ابراهيم،يحضر من القليوبية كل اسبوعين للكشف على مرضاه بمحافظة سوهاج،قيمة كشفه مائتي جنيه غير تكلفة العلاج التي هي عبارة عن أعشاب للوسواس و أخرى للسحر،دهان للمساج و أخر لتأخر الإنجاب،كل داء له علاج في مركز خير دواء..المذهل أن روشتة الشيخ مدون عليها طباعة اسم المريض و تشخيص الحالة و ميعاد الإستشارة،فلا تُذهل عندما تعلم أن مقر مركزه خلف مستشفى سوهاج الجامعي،كما لم أفاجيء من بلاغ مواطنة عن شخص أخر ذائع الصيت في نفس المحافظة و يمارس نفس الدجل،فقد ذُهلت سابقاً عندما ضمني و إياه مع محافظ الاقليم في 2012 و مجلسه الإستشاري وقتها إجتماع لمناقشة مصير مستشفى الصحة النفسية في سوهاج.

كنت أمل أن تنتهي هذه الواقعة بتحية معاول البناء وكيل وزارة الصحة بسوهاج و فريقه و رجاء لهم بالاستمرار في الحرب على كل منتحلي الطب،إلا أن أحد أعضاء النيابة العامة فجر مفاجأة في القضية المحبوس على ذمتها الدجال،بطاقة الرقم القومي مدون بها مهنته (خبير في الطب البديل بالخارج)!،لم أصدق إلا عندما رأيتها بعيني،لا أعلم ما المستند الذي تقدم به هذا الدجال لموظف السجل المدني حتى يحرر له تلك المهنة في البطاقة التي استخرجها في مارس 2017 نفس الشهر الذي صدر فيه تقرير هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري برفض الإعتراف بما يُسمى(الطب البديل التكميلي أو الطب الشعبي التقليدي)..على كل حال لا بد أن تحقق مصلحة الأحوال المدنية في هذه الواقعة.

في حين تقرأ على صفحة مديرية الصحة بسوهاج اجتماع د.هاني جميعة وكيل الوزارة بمديري الإدارات الصحية و مطالبتهم بالعمل على رفع الاداء و تحفيز العاملين على الإبتكار و التجديد و تصحيح الوضع الخاطيء و أيضاً تجهيز بيان باحتياجات كل إدارة من قوة بشرية و أجهزة..في المقابل تقرأ في المواقع الاعلامية عن قيام رؤساء مجالس المدن بالمرور على المستشفيات و المراكز الطبية و تحويل الأطباء و العاملين للتحقيق لتغيبهم عن العمل،بالطبع هذه الأخبار مزيلة بعبارة متشابهة(بناء على توجيهات السيد المحافظ)،في مدينة البلينا تكبد رئيس مجلسها عناء المشي على الأقدام فلا تستطيع سيارة أن تمر بين(التكاتك)التي تُضاهي أعداد المواطنين،حتى وصل إلى المركز الحضري ثم مستشفى البلينا فظفر ببيانات الخبر المنشور،أما في مدينة المراغة فاستقل رئيسها في تواضع(التوكتوك) ليصل إلى المستشفى مفضلاً المرور في شارع السوق المزدحم عن المرور في الشارع الرئيسي الذي حولته أعمال الحفر إلى خندق.

(بالقطع لا يقبل أحد بالتهاون مع مقصر أو مهمل) جملة مقدمة لدفع أي استنكار قبل البدء في مناقشة مفردات تلك الأخبار عن الجولات المكوكية للمحليات على المنشات الصحية و ما تحويه من هدم و بناء،فقانوناً متاح للموظف العام اجازات منها ما يُسمى ب(العارضة)التي أجاز له القانون التقدم بها في خلال ثمان و اربعين ساعة قبل أو بعد يوم التغيب،و كون الموظف لم يوقع و ترك عمله فلا مخالفة قانونية و لا منطق لتحويله للتحقيق قبل مرور الفترة الزمنية لتقديمه سبب قانوني عن التغيب..إحالة الموظف بالمستشفى من قبل المحافظ أو رئيس مجلس المدينة إما أن يكون للتحقيق بمقر ديوان أحدهما أو بالنيابة الإدارية،ما يعني تغيبه عن العمل بمأمورية رسمية ليوم واحد على الأقل و في الأغلب لن يخلف التحقيق جزاء في ملف الموظف طبيباً كان أو إدارياً،أما التشهير بالعاملين بالمستشفيات و تصدير صورة الإهمال المُطلق فيها و تقديمهم في صورة المذنبين المسئولين عن تدهور المنظومة الصحية،سيُخلف ندرة بعد عجز في الفريق الطبي فضلاً عن اتساع مساحات التباعد بين فئات المجتمع،هل سأل أعضاء المرور عن توافر الأجهزة و المستلزمات،هل تأكدوا من  وجود كافة أنواع الأدوية،كل حاجة أم (أي حاجة) كما كتب طبيب البحيرة على تذكرة مريضة و نُقل بسببها،هل مروا على استراحات الفريق الطبي بالمستشفيات..أسئلة لم تحوي أخبار المرور إجاباتها.

من مركز القلب و الجهاز الهضمي بسوهاج تصل إلي شكوى الأطباء المقيمين بقسم القلب،يذكرون أن مدير المركز يرغمهم على العمل المتواصل لمدة 24 ساعة يومياً ثمان عشر يوماً في الشهر و مبرره العجز في عدد الأطباء،هل تصل هذه الشكوى إلى المحافظ و وزيرة الصحة؟،فإن صحت الشكوى فهذه جريمة بالمعنى الحرفي لا بد لها من عقاب،أن يعمل إنسان و طبيب لمدة 24 ساعة متواصلة فهذا قتل عمد للمرضى-لاحظ أننا نتحدث عن قسم القلب-،الأدهى أن الأطباء يذكرون أنهم لا يتقاضوا مقابل مادي عن كل النوباتجيات فالمدير يعلل بأن القانون ملزم بحد أقصى لعدد النوباتجيات فلا يستطيع أن يقر صرف مقابل لما زاد عنها!..و عليهم أن يحتفظوا بعقولهم.

لم يشغل بال محافظ لسوهاج عند زيارته لمسشتفى سوهاج العام،مبنى العنايات المركزة المُنشأ منذ أكثر من 12 عاماً و لم يُجهز حتى تاريخه،لم يستفسر عن وحدة قسطرة القلب التي تراجعت وزارة الصحة عن تزويد المستشفى بها،لم يلاحظ عدم وجود خزان اكسجين كبديل في حدوث طاريء لشبكة الغازات كما حدث في يوليو الماضي و كادت تتسبب في كارثة للمرضى على أجهزة التنفس الصناعي لولا نقلهم سريعاً لمستشفيات أخرى،مستشفى الصدر الوحيدة في المحافظة لا يوجد بها حجز داخلي،كما نسيت المحافظة تصريحاتها الاعلامية يوليو الماضي عن افتتاح مستشفى الصحة النفسية اكتوبر الماضي،أغلب الظن أنها كانت يعني اكتوبر القادم!،هل مر محافظ على الوحدات الصحية تحت جبال مركزي دار السلام و اخميم ليشهد مأساة العاملين بها من انقطاع المياه و عدم قدرتهم على استخدام دورات المياه و لمس احباطهم من تجاهل المسئولين عند المرور عليهم و سوء معاملتهم!

إن كان مرور المحافظ و نوابه على القطاع الصحي لإثبات الوجود عن طريق نشر الأخبار الصحفية ليستمروا في مناصبهم و هم تاركيها و لو بعد حين،فالأجدى أن يكونوا معول بناء لتقديم خدمة حقيقية حتى إن تركوا مناصبهم ظلوا في ذاكرة المواطن.

انتقل المحافظ من سوهاج إلى أخرى و ظهرت حركة المحافظين الجدد و استهلوا أعمالهم بزيارة المستشفيات ، تفقدية أو تفتيشية كانت زيارات الدكتور محافظ الغربية و اللواء محافظ المنوفية و اللواء محافظ اسيوط و زميلهم اللواء محافظ كفر الشيخ لمستشفيات محافظاتهم ، منهم من ابدى استياءه و غيره توعد بالمرصاد بعد المرور على دفتر الحضور و الانصراف، التأكد من وجود الأنفار أهم من منحهم معاول البناء، فلا يملك محافظ أن يوفر علاج لمريض أو يمنح حق لطبيب ..كل ما يملك معول هدم يخلي ركن إضافي في منظومة صحية قاربت على الإنهيار.

تدخلات المحليات في الأمور الفنية و خاصة الطبية لا بد و أن تكون في إطار الدعم و تحددها فواصل التخصص و يحكمها الكيف لا الكم و الجوهر لا الشكل،أدعو و أرجو المحافظين الجدد و مديري مديريات الصحة و نقابات المهن الطبية و الصحية في المحافظات أن تجتمع و تتعاون لبحث حقيقي عن أسباب مشاكل المنظومة الصحية و منها مشاكل القوة البشرية و تحفيزهم لا إحباطهم..أمل أن يختار الجميع أن يحمل معاول البناء.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى