fbpx
أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

د. إيهاب الطاهر يكتب: هل الأطباء “خاصة” مدينون للدولة ؟

تقدم عضو برلمانى بمقترح بأن يدفع الطبيب الراغب فى الإستقالة للعمل بالخارج تعويضا للدولة عن التكاليف التى أنفقتها على تعليمه، وذلك للحد من هجرة الأطباء للخارج لخطورة ذلك على المجتمع.
نعلم جميعا تزايد حالات هروب الأطباء من العمل بالقطاع الحكومى بمصر، وكنا ننتظر من مجلس النواب أن يبادر بدراسة أسباب المشكلة ويضع حلولا حقيقية لها ويلزم الحكومة بها، ولكننا نفاجأ كل فترة بمقترح غير دستورى لا يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا.
ألا يعلم النائب أن مقترحه مخالف للدستور الذى أقسم على إحترامه، حيث أن المقترح يضع قيودا معينة على فئة بعينها مما يعد تمييزا سلبيا ضد الأطباء، ومن الجانب الآخر ألا يعلم أن مقترحه “حال تطبيقه” سوف يزيد المشكلة تعقيدا بدلا من أن يحلها، ببساطة شديدة لأن الطبيب الذى يقرر السفر فلن تمنعه قوة من ذلك، فهو قد يطلب إجازة بدون مرتب ولكن اذا تم رفضها فسوف يستقيل وإذا رفضت الإستقالة فسوف ينقطع عن العمل ويسافر وقد لا يعود، فهل هذا ما نصبو إليه لحل المشكلة!!
إن هذا الطلب البرلمانى يعيدنا للجدل الذى أثارته تغريدة سابقة لأحد الأطباء كان نصها ”عندما تتخرج كطبيب أو مهندس من جامعة مصرية حكومية عليك فاتورة تسديد ديون تعليمك لشعب مصر الفقير” ، وهنا يطرح السؤال نفسه هل فعلا الأطباء فعلا مدينون للدولة ؟
بالطبع كلنا كمصريين علينا ديون لبلدنا ولكن هذا ليس له علاقة بقيام الدولة بدفع مصاريف تعليمنا من عدمه، فبلدنا هى بمثابة الأم التى نعطيها كل ما نملك بل ونفديها بأرواحنا سواء أعطتنا أم لا فكما قال الشاعر “بلدى وإن جارت علىً عزيزة” ، ولكن عندما نتحدث عن ديون مستحقة على فئات محددة وبقيمة محسوبة بالورقة والقلم فالأمر هنا يحتاج لوقفة، لأن الحسابات تقول أن مصاريف دراسة الطب “اذا افترضنا جدلا أن الدولة قد تحملتها بكاملها”، فإن الطبيب يسدد هذا الدين فعلا خلال أول خمس سنوات من عمله الحكومى لأن هذا ببساطة هو مجموع الفارق بين ما يحصل عليه من مرتب وبين ما يستحقه فعليا.
أما الأمر المثير للدهشة فهو التحامل المتكرر على الأطباء مما يحرض المجتمع ضدهم، وكأن الأطباء على وجه الخصوص يجب أن يستمروا فى العمل بالسخرة وبدون أجور حقيقية لأن هذا واجب عليهم لسداد الدين المحسوب، ولكن للأسف يتناسى أو يتجاهل البعض أن الدولة قد تحملت أيضا تكاليف تعليم الوزير والخفير والقاضى والضابط ومدير البنك وغيرهم، فان كانت هناك ديون محسوبة فيجب على الجميع دفعها وليس الأطباء فقط، !
فإن كانت الدولة فى محنة مالية حقيقية فواجب علينا جميعا أن نتشارك لخروجها من محنتها، فيمكننا مثلا إقرار حد أقصى للأجور بعشرة آلاف جنيه شهريا لجميع الفئات (من الوزير إلى الخفير)، لحين خروج بلدنا من عثرتها ثم بعد ذلك تحصل كل فئة على أجرها العادل طبقا لطبيعة دراستها وأعباء عملها وخطورته، لكن المدهش أننا نجد البعض ينادى بمنح بعض الفئات إمتيازات عديدة بحجة طبيعة عملها متناسيا ظروف البلد، وفى المقابل يطالب فئات أخرى بالعمل فى صمت متناسيا طبيعة عملهم وبحجة نفس ظروف البلد.
فى النهاية نعلم جميعا ان تحسين الخدمة الطبية المقدمة للمواطن وتحسين أوضاع الأطباء هما وجهان لعملة واحدة، فلا يمكننا أن نتوقع تحسين الخدمة الطبية فى ظل نقص ميزانية الصحة ونقص بعض الأدوية والمستلزمات وسوء بيئة العمل وضعف أجور الفريق الطبى والإعتداءات والتحريض المتكرر ضدهم ، فى الوقت الذى نرى فيه دول العالم المتقدم تفتح ذراعيها للطبيب المصرى وتقدم له كل التسهيلات للعمل لديها لثقتها بمدى كفاءته وإخلاصه بعمله.
فإن كنا نهدف فعلا لتحسين المنظومة الصحية وتقديم خدمة طبية تليق بالمواطن المصرى فإن مشكلات القطاع الصحى معروفة وحلول الخروج منها معروفة أيضا، وبالطبع ليس ضمن هذه الحلول محاولة تحريض المجتمع ضد الأطباء أو وضع القيود غير الدستورية عليهم.
فهل هناك من يسمع ومن يستجيب؟
د. إيهاب الطاهر
أمين عام نقابة الأطباء

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى