fbpx
أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

د. محمد مقبل يكتب: عن «تعطيل عمل الأطباء» و «التعامل بشكل غير لائق معهم»

 

تبدأ الحكاية كما سردها العديد من الزملاء النقابيين وكما نُشِرَت أن وكيل نيابة بالشرقية طلب أحد الأطباء لاستكمال تحقيقاته في قضية ما، الطبيب ليس متهما أو مجرما وانما مطلوب بصفته المهنية والإدارية، الطبيب هنا كان يمارس مهام عمله بالمستشفي فهو طبيب الاستقبال وطبيب العظام الوحيد بالمستشفي فيتعذر عليه ترك العمل وهنا اعتبرها وكيل النيابة تعامل غير لائق ، في نفس الليلة وبعد توفير الطبيب البديل للمستشفي حضر الطبيب إلى مقر النيابة ولكن تم صرفه دون أي تحقيقات، وبعدها فوجئ بأمر ضبط واحضار له وتوجيه تهمة تعطيل النيابة والتعامل بشكل غير لائق وتم حبسه احتياطيا 4 أيام علي ذمة التحقيق ثم لاحقا تم الافراج عنه بكفالة 10 الاف جنيه علي ذمة التحقيق..

نعم هذه هي الحكاية ببساطة ، تم حبس طبيب احتياطيا كما يعامل المجرمين واللصوص واصحاب قضايا المخدرات لمجرد ان جهات التحقيق اعتبرت انه يتعامل بشكل غير لائق لأنه لم يترك عمله الطبي والمهني فورا و تم توجيه اتهام وقصية له..

لن نعلق هنا علي الشق القانوني للواقعة فلها من يتصدر لها من القانونيين ولكن فلنتكلم عن شئ اخر له خطورته الحقيقية على هذا المجتمع  ..

لماذا أصبح “الجميع” فجأة يتعامل مع مهنة الطب باعتبارها مهنة روتينية لا تستحق التقدير ويتعامل مع الاطباء بهذا الشكل العجيب وغير المبرر فعلا ، و “الجميع” هنا تتسع عن الواقعة المذكورة لتشمل وسائل الاعلام المختلفة و الجهات التنفيذية شاملة وزارة الصحة نفسها بموظفيها ومسئوليها و وزيرها وبعض الجهات الرقابية وتتسع الدائرة لتشمل العديد من المواطنين العاديين  .. ما الذي حدث و ما زال يحدث ؟! ، نذكر هنا الوقائع المتتالية كحادثة د. محمود ناصر الذي تم توجيه اتهام له لانه قام بواجبه الطبي المفترض  ومحاولة تخطي أزمة عدم توفر المستلزمات الطبية، ووقائع الحبس الاحتياطي لأطباء في قضايا تخص الممارسة الطبية دون التفريق بين ما هو اهمال طبي وبين ما هو مضاعفات مفترضة مذكورة بالكتب، وعدم الاهتمام باصدار قانون المسئولية الطبية الذي يحمي ممارسة مهنة الطب في مصر …

نحن هنا لم نعد نتحدث عن تدني اجور الاطباء ولا عن احوال المستشفيات ومشاكل عدم توافر امكانيات ممارسة الطب، نحن تعدينا الأمر إلى مرحلة خطيرة من عمل الأطباء في بيئة غير آمنة، أى طبيب معرض حرفيا لاعتداء من مريض دون حماية امنية ثم تخطى الأمر إلى امكانية تعرضه للحبس الاحتياطي نتيجة ممارسته المهنة وأخيرا نتيجة “تعامل غير لائق” ..

هل يدرك هذا المجتمع ما هو مقبل عليه ؟! ، هروب وهجرة وسفر الكفاءات الطبية الحقيقة من الوطن، لم يعد السفر لفترة من أجل توفير قدر من الأمان المالي ولكنه أصبح من اجل توفير الأمان الشخصي نفسه ..

مهنة الطب ليست مهنة تقليدية، إنها مهنة تتعامل مع الانسان نفسه في أضعف حالاته تتعامل مع الروح البشرية في ظروف طارئة تكون بين الموت والحياة أحيانا، هي -كما اعتادوا ان يقولوا إلى حد الابتذال-  “مهنة سامية” وهي شديدة السمو حقا وعلي الجميع أن يدركوا ذلك، احترامها ينبع من احترام الجميع دولة ومؤسسات ومواطنين للانسان المصري نفسه، وإن لم يحدث ذلك ستكون النتائج مفزعة، غضب الأطباء واحباطاتهم وصل مداه وخشيتهم من ممارسة المهنة يؤدي إلى موجات متلاحقة من سفر الكفاءات للخارج ..

أتمني أن نحيا لنجد يوما قانون يجرم تعطيل عمل الأطباء و يجرم التعامل معهم بشكل “غير لائق” …

 

د. محمد محمود مقبل

استشاري جهاز هضمي وكبد

وعضو مجلس نقابة أطباء القاهرة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى