د. ماجد فياض يكتب: من عرشِ العضلات.. إلى نعشِ الموت!

عند باب الطوارئ، توقف الزمن للحظة.
كان المشهد مهيبًا، والهواء مثقلًا بالدهشة. رأيته محمولًا على نقالة الإسعاف، مدرب الجيم الشاب، الذي طالما زيّن ابتسامته وجسده المتناسق صورَ الإعلانات وصفحات التواصل.
لكن القلب الذي كان نابضًا بالحياة… خان صاحبه فجأة.
سكتة قلبية لم تُجدِ معها استعطافاتنا، ولا محاولات الإنعاش، ولا دموع الذهول… وكما يموت الناس بلا بطولة، بلا جمهور، بلا أضواء، مات!
لم يكن الأول، ولن يكون الأخير.
ورغم أن أجسادهم تُبهر العيون، وتخطف الأبصار، إلا أن العلم لا يُجامل:
فبحسب دراسة نُشرت في Journal of Internal Medicine عام 2021، فإن استخدام الستيرويدات البنائية يرفع خطر الإصابة بأمراض القلب إلى أربعة أضعاف مقارنة بمن لا يستخدمونها.
ومن عيادتي… رأيت بعيني.
أجسامٌ ضخمة كأنها نُحتت من صخر،
لكن خلف هذه العضلات…
خصيتان ضامرتان كأنهما بيضتا حمام،
وسائل منوي خالٍ من أي حياة لحيوان منوي واحد… صفر.
ذلك الصفر الذي لن تراه في مرايا الجيم، لكنه يظهر جليًّا في التحاليل،
وفي نظرة الحزن داخل عينَي مَن حلموا بطفل، وفي غضب وسخط الأعضاء المنهكة.
وها هو تقرير Harvard Medical School يقرّ بأن الاستخدام المطوّل لهرمونات الذكورة الصناعية يؤدي إلى ضمور الخصيتين وعقم كامل في أكثر من 50% من الحالات.
في عام 2021، رحل شون رودن، بطل مستر أوليمبيا لعام 2018، عن عمر لم يتجاوز 46 عامًا… بسكتة قلبية.
قبله، توقّف قلب دالاس مكارفر، ابن السادسة والعشرين، بينما كان يتناول طعامه.
وفي 2022، فُجِع الوسط الرياضي بوفاة جورج بيترسون في فندق الاستعداد قبل بطولة مستر أوليمبيا… القلب من جديد.
من أمريكا إلى إيران، من إنجلترا إلى البرازيل… تتكرر القصة ذاتها.
أندي هيمان، اللاعب الإنجليزي، انتهى به الحال بفشل كلوي مزمن.
فرانك ماكغراث، الكندي، نجا من الموت، لكنه يعيش بقلب متضخم، ونَفْسٍ منهارة، بعدما كان أيقونة الجسد المثالي.
كانوا يمشون على منصات البطولات كأنهم تماثيل من برونز، تلمع أجسادهم تحت الأضواء، ويهتف الجمهور بأسمائهم كأنهم آلهة الإغريق عادت.
لكن ما لم تره الجماهير، هو أن هذه العضلات كانت تنهشهم من الداخل،
وتسحبهم بعيدًا عن الحياة، ببطء… وصمت.
وفي دراسة نُشرت في British Journal of Sports Medicine عام 2017، تبيّن أن متوسط أعمار محترفي كمال الأجسام أقل من أقرانهم بنحو سبع سنوات.
نحن، كأطباء، نعرف السبب.
لكن من يحب سماع الحقيقة حين يكون على العين غشاوة والحلم ساطعًا كالنار؟!
الستيرويدات، هرمونات النمو، الإنسولين، مدرات البول، محفزات الأدرينالين…
قائمة طويلة من الأسلحة التي يستخدمها اللاعبون ليبقوا في القمة.
لكن الثمن؟ في كثير من الأحيان… هو العمر ذاته.
لأن الجسد، مهما بدا صلبًا، ليس آلة.
القلب يرهقه الضخ،
الكلى تتعب من البروتين والمدرات،
الكبد يئن تحت العقاقير،
والنفس تختنق تحت ضغط التوقعات والصورة التي يجب الحفاظ عليها.
الجمعية الأمريكية لأمراض القلب (AHA) أصدرت تحذيرًا واضحًا:
“الستيرويدات البنائية تزيد من احتمالية توقف القلب المفاجئ، حتى في سن الشباب”.
لسنا هنا لنهاجم الرياضة، بل لننحني أمامها احترامًا… لكننا نصرخ في وجه ما حُرّف منها. فالرياضة نعمة،
لكن حين تتحول إلى سباق ضد الجسد، تصير نقمة.
حين تخونك صحتك،
لن يُسعفك المدرب،
ولا ينفعك مليون متابع على السوشيل ميديا ولن يغني عنك لقب “مستر أوليمبيا” شيئًا.
صحيفة The Guardian البريطانية نشرت في 2021 مقالًا بعنوان “The Hidden Deaths in Bodybuilding” (الوفيات الخفية في كمال الأجسام)، تناولت فيه تصاعد وفيات اللاعبين الشباب وربطتها بالاستخدام غير المنظم للمنشطات.
صديقي المحب لرياضة كمال الأجسام… حنانيك.
اختر لنفسك طريق الحياة… لا طريق النيازك.
فقد تلمع للحظة ثم تختفي للأبد، وقد تُبهر الناس بعضلاتك،
لكن العقل… هو الوسام الحقيقي للروح. وما فائدة الجسد إن خانه القلب؟ وما نفع القوة… بلا وعي؟
كل من رحلوا لم يكونوا مجرمين،
بل كانوا ضحايا: ضحايا لحلم بلا وعي،
ولثقافة تُمجّد المظهر، وتنسى الجوهر.
ولمجتمع يُصفّق للضخامة،
ثم يتنكر حين يُسأل: من دفع الثمن؟.
د. ماجد فياض
استشاري جراحات المسالك البولية بالمستشفى السعودي الألمانى بجدة