أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

د. ماجد فياض: الطب حكاية لا مجرّد تشخيص

أيُّ طبيبِ مسالكٍ بوليّةٍ عاديّ، حين يقرأ عن مرض بيروني،سيمضي كعادته بين الأسباب والباثولوجي وطرق العلاج الحديثة، وسينشغل بآليات التليّف والانحناء والعلاج بالحقن والجراحة، دون أن يتوقف لحظة أمام هذا الاسم الذي يتردّد على ألسنة الأطباء منذ قرون: بيروني.

لن يسأل نفسه من يكون صاحب الاسم، ولا كيف صار المرض يحمل توقيع إنسانٍ عاش ومات، ولا ما الذي في سيرته جعله يُخلَّد في أجسادٍ تنحني كما انحنت خطوط القدر في حياته.

وُلد فرانسوا جيجو دي لا بيروني عام 1678 في مدينة مونبلييه الفرنسية، لأبٍ كان حلاقًا وجراحًا في زمنٍ لم تكن الحلاقة والجراحة قد افترقتا بعد،
ولأمٍّ متديّنةٍ أرادت أن يدرس الكهنوت، لكن الابن اختار طريق المشرط بدل المسبحة. تعلّم الجراحة في ميادين الحرب الأهلية الفرنسية،
حيث كانت الجراح تُفتح قبل أن تُغلق، واكتسب من رائحة البارود أكثر مما اكتسب من رائحة المعامل.
ثم صار — بعد أعوامٍ من الكفاح — الجراح الأول للملك لويس الخامس عشر، وأحد أبرز من وضعوا أسس الجراحة الحديثة في فرنسا.

وفي عام 1743، كتب وصفًا دقيقًا لمرضٍ يصيب العضو الذكري بانحناءٍ وتليّف، لم يكن يعلم أن ذلك الوصف سيحمل اسمه إلى الأبد. هكذا خُلّد بيروني — لا في ميادين الحرب، بل في كتب الطب، تحت عنوانٍ باردٍ: Peyronie’s disease.

أعترف أني — مهما حاولت — لن أتحرر من عقدتي الأدبية التي تختلط بالطب. فحين أقرأ عن مرضٍ يحمل اسم إنسان، لا أستطيع أن أتجاهل الإنسان نفسه. وحين أدرّس الطب، لا أرى الجسد وحده، بل أرى التاريخ الذي مرّ من خلاله.

كان ذلك يستغرق مني ساعاتٍ أطول في المذاكرة،
ويقودني — بالطبع — إلى التشتيت. وبالفعل كانت معاناة، لكنها جعلت من أغلب موضوعات الطب، بشكلٍ عام، حكاياتٍ جميلة تستحق أن تُروى.

الآن أحرص في كل محاضرةٍ ألقيها، أن أضع الحياة التاريخية بجانب التاريخ الطبيعي للمرض. أن أُدخل شيئًا من الأدب إلى الطب، لأن المعرفة حين تُروى، تصبح حياةً لا مجرّد تشخيص.

أما إذا كان السؤال في الامتحان هو:
«Give an account on Peyronie’s disease»
فالإجابة الصحيحة — للأسف — ليست قصة حياة بيروني نفسه.
لكن لا بأس… فالذي يعرف القصة، لن يكتب الإجابة فقط، بل سيكتبها وهو يبتسم.

د.ماجد فياض
دكتوراه جراحة المسالك البولية جامعة عين شمس
الزمالة البريطانية في المسالك البولية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى