د. أسامة حمدي يكتب: صناعة الطبيب الناجح.. المشكلة والحل!
مع التوسع الكبير في عدد كليات الطب، الذي سيصل قريبًا إلى نحو ٦٨ كلية، ومع انخفاض مجموع القبول في هذه الكليات، ونقص أماكن التدريب وتكدسها، أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من تخريج أطباء محكوم عليهم سلفًا بالفشل؛ مما سيؤثر تأثيرًا كبيرًا في سمعة الطبيب المصري، وفي كفاءة الخدمة الصحية التي تفتخر بها أي دولة، وسلامة المرضى، وستؤدي إلى رفع تكلفة الخدمة الطبية، حيث تتركز فقط في أيدي قدامى الأطباء ذوي الخبرة. ولقد وصلنا -مع الأسف- إلى حالة الجفاف الطبي، حيث لدينا 0.9 طبيب لكل ألف مواطن، في حين تنصح منظمة الصحة العالمية بما لا يقل عن 3 أطباء لكل ألف مواطن.
وبعد أن تفاقمت مشكلة هجرة الأطباء الجدد لضعف الرواتب، وقلة فرص التدريب، ولصعوبة ظروف العمل، أصبح من غير المقبول أن يبقى الوضع على ما هو عليه؛ لذا بدأت النقابة العامة للأطباء -عن طريق نقيبها الهمام الدكتور أسامة عبد الحي- بعقد ورش نقاش يسهم فيها شيوخ المهنة لوضع توصيات لتقويم هذا الوضع المختل، وقد حضرتُ أولى هذه الجلسات، وأدليتُ بدلوي في محاولة لاقتراح حلول عملية قابلة للتطبيق قبل حدوث ما لا نتوقع عقباه. وكانت نصائحي كالتالي:
١- يشترط لدخول كلية الطب النجاح في امتحان للقدرات الطبية، كامتحان MCAT في الولايات المتحدة الامريكية، ويكون هذا الامتحان بمنزلة “فلتر” قويّ لمن لديه القدرة على مواكبة دراسة الطب من الناحية العملية والنفسية؛ لتجنب مضار الوضع الحالي لدخول الطلاب بمجاميع ضعيفة. كذلك أسوة بالكليات الحربية، والشرطة، والفنون. وهذا النظام ناجح في الغرب، وإن كانوا يضيفون آلية شرط اجتياز مواد مؤهلة قبل القبول لدخول الامتحان.
٢- إقامة هيئة عليا مستقلة وغير هادفة للربح للتدريب الطبي، تمول من كليات الطب الخاصة والأهلية وكثير من الجهات الأخرى، ويكون دورها الرئيسي تحديد أماكن التدريب الصالحة وعددها، وتوزع المتدربين عليها بعيدًا عن تدخل الجامعات من خلال مكتب تنسيق يُوفِّق بين رغبة المستشفى والمتدرب، وتدفع هذه الهيئة رواتب المتدربين بالتساوي حسب سنة التدريب، وتقوم هذه الهيئة بالتقييم الدائم لاستمرار صلاحية أماكن التدريب. وهذا النظام معمول به بنجاح في الولايات المتحدة منذ عشرات السنين.
٣- يرتبط عدد خريجي الطب بعدد الأماكن المتاحة للتدريب، فلا يتخرج طالب بدون مكان مناسب ومؤهل للتدريب.
أما باقي المقترحات التي لم تتح لى الفرصة لعرضها فهي:
٤- توحيد مناهج الطب في جميع كليات الطب بمصر، والاستعانة بمنهج موحد متكامل من أعرق الجامعات الامريكية، كجامعة هارفارد، أو جونهوبكنز، أو إستانفورد، أو الجامعات الإنجليزية، مثل كامبريدج، وأكسفورد، وتحت إشراف هيئة عليا للتعليم والتدريب الطبي من كبار أطبائنا في الداخل والخارج.
٥- إلغاء امتحان نهايات العام، وأن نستبدل به امتحانَي المعادلة الأمريكية USMLE 1 and 2، الأول في منتصف سنوات الكلية، والثاني في آخرها، مع السماح بتكرار محاولة الامتحان حتى النجاح لأي عدد من المرات. هذه الامتحانات العالمية المنضبطة والحيادية والمراقبة بشدة تضمن جودة التعليم ليوافق المستوى العالمي، مع تكرار الامتحانات العملية والإكلينيكية كل أسبوعين أو ثلاثة طوال العام كشرط للتخرج بنظام GPA Grade point average. أيضًا سيعطي النجاح في هذا النظام، فرصة للأطباء المتميزين للتدريب في أكبر المستشفيات بالخارج مباشرة إن أرادوا.
٦- التوسع في المستشفيات الأهلية غير الهادفة للربح، التي تعطي أجرًا جيدًا للطبيب، وتكلفة معقولة للمريض، وتتعاقد بحرية مع التأمين الصحي وغيره، مع ضرورة حصول جميع المستشفيات التعليمية في مصر، سواء أكانت جامعية أم لا، على شهادة الجودة العالمية، وليست المحلية فقط؛ ليكون التدريب فيها معترفًا به عالميًّا.
صدقوني، لو تم كل ذلك لأحدثنا ثورة كبيرة في التعليم الطبي ترفع مستوى أطبائنا سريعًا إلى المستوى العالمي، وتحقق نهضة طبية عارمة نعيد بها إلى مصر موقع الريادة، وتحقق مستوى صحيًّا لا يماثَل في مصر. أيضًا سيتيح هذا النظام لأطباء مصر النابهين في الخارج مساعدة بلدهم جديًّا، وسأبذل ما في وسعي لجعل هذا الحلم حقيقة؛ فبلدنا الحبيب يستحق منا جميعًا الكثير.
د. أسامة حمدي
أستاذ أمراض السكر بجامعة هارفارد




