أهم الأخبارمنتدي الدكاترة
د. أسامة حمدي يكتب: المسمار الأخير في نعش الطب في مصر
بعد أن هاجر ما يقرب من نصف أطباء مصر إلى خارجها، سيهاجر بالتأكيد، أو يمتنع عن العمل معظم الباقين إذا أُقِرَّ القانون الذي يسمح بمعاقبة الأطباء بالسجن الاحتياطي، أو عقوبة السجن لأخطاء المهنة، لتصبح مصر ربما أول دولة في العالم بلا أطباء! لا أتصور أن نواب الشعب ما زالوا لا يدركون ما هم مقبلون عليه مع هذا القانون الشاذ والأوحد في العالم، وأنهم يضعون بذلك القانون المشين أمن مصر القومي على حافة الهاوية. أتمنى وكلي حسرة أن يوقف أحد العاقلين هذا العبث وينهيه!
التريث للإجابة على هذه الأسئله المشروعة سيوضح لكم حجم الدمار الذي سنقبل حتمًا عليه:
– كيف سيخرج الطبيب لممارسة عمله وهو لا يعرف إن كان سيعود إلى منزله أم لا؟!
– كيف سيقف الطبيب لعلاج الحالات الحرجة والطوارئ والعناية المركزة، وهى حالات احتمال الوفاة فيها يماثل احتمال الشفاء، والأخطاء واردة. أي إنه معرض للمقاضاة القانونية من الأهل الغاضبين لوفاة مريضهم في نصف من يعالج؟
– كيف سيجري الجراح جراحاته، وهو يعرف أن هناك من مهم متربصين لأخطائه؟
– كيف نتخيل أن الطبيب يسجن احتياطيًّا كالمجرمين حتى تبت اللجنة الطبية إن كان ما حدث مضاعفات طبية أم خطأ طبيًّا؟
– من الطالب المجنون الذي سيدخل كلية الطب ويصرف أهله المبالغ الطائلة ليكون مستقبله في مهب الريح، ويعامل يومًا ما معاملة المجرمين؟
– كيف سيقبل خريجو الطب على التخصصات كثيرة الأخطاء كجراحة النساء والولادة، وجراحة الأعصاب، وطب الطوارئ والعناية المركزة وخيال الحبس أمام أعينهم مع أي خطأ طبي؟
– من سيرحم الأطباء من محاميي “السبوبة” عديمي الذمة وادعاءاتهم الكاذبة؟
– من سيحمي الأطباء من الأهل المكلومين أو الغاضبين لوفاة قريب لهم، إذا قاضوا الطبيب المعالج لتصور الخطأ الطبي؟
– هل لدينا أفضل المستشفيات والأجهزة والأدوية والأطقم الطبية لمنع الكوارث الطبية؟
– هل لدينا نظام تدريب عالي المستوى كالخارج يحمي الأطباء الصغار وقليلي الخبرة من الأخطاء الطبية؟
– هل لدينا سجلات طبية جيدة كما الخارج يمكن الرجوع اليها في حال الخطأ الطبي والتقاضي؟
– هل لدينا نظام تأمين اجباري على الأطباء ضد أخطاء المهنة، كما هو معمول به في الخارج، يدفع التعويضات حال الخطأ؟
أتوقع من خلال خبرتي الطويلة في مجال الطب أن هذا القانون المشين سيُطلق العنان للمحامين والمرضى للفتك بالأطباء، أو ترويعهم، أو في أقل الأحوال التشفي منهم! وسيهاجر الأطباء للدول المتعطشة لهم فنهدر ثروتنا التي بنيناها عبر عقود مضت.
أفيقوا أيها العابثون بأمن هذا البلد واستقراره، وتنبهوا أيها الغافلون عن عواقب ما تفكرون فيه، وامنعوا فورًا هذه المهزلة التي لا يوجد لها مثيل في أي دولة من دول العالم المتحضر، وقبل أن نصبح أضحوكة العالم بسطحيتنا وشذوذ تفكيرنا. واسألوا أنفسكم أي دولة تلك في هذا العالم التي تسجن أطباءها، أم أننا يجب أن نتميز عن غيرنا بجهلنا الذي يسبقه غباؤنا؟
الصحة أيها السادة من أهم دعائم أمننا القومي ولا تحتمل العبث بها، وما تبقى من الأطباء هم ثروتنا القومية التي لو ضاعت، سنضيع معها، ولن نستطيع تعويضها مهما فعلنا، ولسنوات عديدة قادمة. نحن نهدم المعبد بتهور فاق الحدود فوق رؤوسنا. والبكاء مستقبلًا على اللبن المسكوب لن يعيده الى سابق عهده. أنبهكم بأعلى صوت وقد أعياني القول في ثلاث مقالات أنكم تلعبون عابثين بالنار، وتدقون بتهور شديد المسمار الأخير في نعش الطب ومستقبله في مصر! هل من عاقل فيكم يسمع أو يستجيب؟ أرجوكم أن تحتفظوا بهذه المقالة لترجعوا اليها حين لا تجدون من يعالجكم، لقد بلغت وكلي كمدٌ وأسى، اللهم فأشهد!
د. أسامة حمدي
أستاذ السكر بجامعة هارفارد