هل تم استغلال الأزمات الصحية بمصر في نشر الشائعات وخطاب الكراهية ضد السودانيين؟
تحقيق – أحمد صبري
رجل طويل القامة يتصبب عرقا ويحمل معه طفلا صغيرا يقطع به شارعا جانبيا من في حي الدقي بمدينة الجيزة بمصر يسأل عن أقرب صيدلية تبيع كمامات طبية ، ويهرول مسرعا حتى يتمكن من اللحاق بتسجيل اسم طفله في قائمة تسجيل كشف أحد أطباء العظام .
” هات كمامة وتعال ” كانت العبارة التي وجهته المسئولة عن حجز الزيارات الطبية إلى محمود أحد اللاجئين السودانيين في واحدة من العيادات الطبية لطبيب عظام تخصص أطفال بعد معرفتها انه سوداني .
يقول : كانت النظرات تمرقني من المرضى المنتظرين داخل العيادة ، من كان يقف بجانبي ابتعد قليلا وعاد للخلف ، طلبت مني المسئولة عن تسجيل الكشف إحضار كمامة لي ولطفلي خوفا من نشر عدوى الكوليرا حيث كانت تلك الزيارة في أثناء مشكلة النزلات المعوية التي اتهم فيها السودانيين بالتسبب .
مرت مصر في الفترة الأخيرة بعدة أزمات متلاحقة ألقي فيها اللوم ولو جزئيا على اللاجئين السودانيين مثل مشكلة ارتفاع أسعار العقارات بشكل مبالغ فيه ببعض المناطق وأزمة النزلات المعوية بمحافظة أسوان جنوب مصر ومشكلة نقص الأدوية وعدد آخر من الأزمات مما تسبب في انتشار دعوات ترحيل وطرد للسودانيين .
في هذا التحقيق سوف نركز على أزمتين في قطاع الصحة ، انتشرتا بشكل كبير وألقي فيها باللوم علي السودانيين خلافا للواقع كان السبب فيها الشائعات وانتشار خطاب الكراهية لدى بعض الأشخاص.
يعاني السودان منذ أكثر من عام من حرب دامية يتقاتل فيها الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع تسببت في نزوح عشرات الآلاف من المواطنين إلى الدول المجاورة ومنها مصر .
في هذا الوقت كانت مصر تستقبل السودانيين دون الحاجة إلى تأشيرة دخول نظرا للأوضاع الإنسانية التي يواجهونها بسبب الحرب .
بحسب تصريحات لوزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي فإن عدد السودانيين في مصر في الوقت الحالي يزيد عن خمسة ملايين شخص ، ووفقا لبيانات مفوضية اللاجئين في القاهرة، تضاعفت أعداد اللاجئين السودانيين في مصر منذ اندلاع الحرب في بلادهم 5 أضعاف، ويمثلون أكثر من 52% من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في مصر رغم أن معظم اللاجئين السودانيين غير مسجلين .
في هذا التقرير سوف نناقش مثالين من الأزمات الصحية التي انتشرت داخل البلاد في الفترة الماضية وتم اتهام السودانيين بشكل مباشر.
أزمة النزلات المعوية بمحافظة أسوان
رغم انتهاء أزمة اصابة عدد من الأشخاص بنزلات معوية وعدد قليل من الوفيات في محافظة أسوان جنوبي مصر ، إلا أنه حتى الآن لم تزل منصات التواصل الاجتماعي تمتلئ بأخبار ومنشورات تتهم السودان في التسبب في الأزمة .
بداية الأزمة كانت في منتصف شهر سبتمبر من العام الحالي بينما ارتفعت أصوات المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت مناشدات بضرورة تدخل السلطات لحل أزمة ارتفاع حالات الاصابة بنزلات معوية لبعض مناطق محافظة أسوان الأمر الذي دفع وزارة الصحة المصرية إلى عمل لجان فحص وتقصي لهذه الأزمة .
كانت وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة على موقعي تويتر وتيك توك تمتلئ بمقاطع الفيديو ومنشورات تطالب المواطنين بأخذ الحيطة والحذر من انتشار مرض الكوليرا وارجعوا السبب الي تواجد لاجئين سودانيين في تلك المناطق .
يشار إلى أن محافظة أسوان هي محافظة حدودية بين مصر والسودان ويتواجد بها جالية سودانية وصلات قرابة نظرا لتواجد قبائل لها تواجد في كلتا الدولتين ، اضافة الي استقرار عدد من السودانيين في المحافظة بعد الحرب المستمرة حتى الآن .
رصدنا في تلك الفترة هاشتاجات ومنشورات تطالب الحكومة بترحيل اللاجئين لتسببهم في تلك الأزمة مثل : #مصر_للمصريين_مش_تكية #ترحيل_السودانيين_من_مصر #ترحيل_جميع_اللاجيين_مطلب_شعبي #ترحيل_الضيوف_مطلب_شعبي
جاءت تلك المنشورات والتغريدات التي تتهم السودان بالتسبب في الأزمة رغم عدم وجود تصريح حكومي عن سبب تلك الحالات وبعد عدة أيام أعلنت الحكومة أن السبب ليس الكوليرا وذلك في مؤتمر عقده نائب رئيس الوزراء وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار بحضور عدد من الوزراء في احدي مستشفيات أسوان .
قال عبدالغفار إن السبب الرئيسي للإصابة بالنزلات المعوية في أسوان هو بكتيريا تسمى «الإيكولاي» وهي عدوى بكتيريا قولونية، تلك السلاسة من الميكروبات تنتقل نتيجة اختلاط مياه الشرب بالصرف الصحي، وفي بعض الأحيان تسبب مرضا شديدًا خصوصا للمصابين بضعف المناعة وتؤدي لتقلصات شديدة في المعدة وإسهال وقيء.
وأعلن أن عدد الوفيات هو خمسة فقط كما أن إجمالي عدد حالات التردد على المستشفيات بلغ 480 حالة، معظمها حالات بسيطة، عدا 168 حالة احتاجت إلى دخول الأقسام الداخلية بالمستشفيات بسبب تأخر توجهها للمستشفى و 36 حالة في العناية المركزة.
في تلك الأيام ظهرت منشورات ومقاطع فيديو عن ضرورة غلي مياه الشرب قبل استعمالها لتجنب الاصابة بالكوليرا وكيفية القضاء على الوباء وطريقة انتشاره .
يقول الدكتور إسلام بدر ، اخصائي الباطنة بهيئة الرعاية الصحية إن السبب في انتشار إشاعة وجود كوليرا في أسوان هو تشابه الأعراض بينها وبين النزلة المعوية والمتمثل في الغثيان والقيء والإسهال .
وأضاف : الكوليرا هي مرض ناتج عن عدوى بكتيرية تصيب الجهاز الهضمي، بينما النزلة المعوية يمكن أن بسبب عدة عوامل تشمل الفيروسات والفطريات والطفيليات، وليس فقط البكتيريا.
وأضاف أن وزارة الصحة قامت بتشكيل لجنة وأخذ عينات لتحليلها في المعامل المركزية لوزارة الصحة ووجدة أن السبب ليس الكوليرا وأعلنت ذلك
بحسب الطبيب فإن عدوى الكوليرا أكثر خطورة على صحة الإنسان مقارنة بالنزلة المعوية حيث تظهر أعراضها بشكل حاد وسريعة الانتشار وتؤدي الى جفاف حاد يؤدي الى الوفاة اذا لم يعالج سريعا .
بحسب طبيب آخر يعمل بمستشفى الصداقة بأسوان رفض الكشف عن اسمه أكد لنا أن جميع الحالات كانت لمصريين وأن هناك تضخيم علي وسائل التواصل الاجتماعي في اعداد الاصابات .
وأضاف : رغم اتهام الكثير من المواطنين الدولة بإخفاء العدد الفعلي للمصابين والمرضى إلا أن المستشفى كان يعمل بطاقته العادية موضحا أنهم بالغاء قائمة انتظار العمليات المقررة لتوفير أسرة رعاية للمصابين .
اتهام السودانيين بالتسبب في نقص الأدوية
الواقعة الثانية التي رصدناها خلال ثلاثة شهور من البحث أن هناك تزايد في إلقاء اللوم على السودانيين في أزمة نقص الأدوية التي تمر بها مصر .
تمر مصر في الشهور الأخيرة بأزمة حادة في نقص الأدوية وصلت مستوى نقص حاد في أصناف حيوية مثل الانسولين لمرضى السكري .
وجدنا من مقابلات واستبيان قمنا به لعدد من المواطنين عن سبب الأزمة فوجدنا أن 43 في المائة من الأشخاص يلقون اللوم علي السودانيين في هذا النقص .
وجدنا أن معظم الآراء تتلخص في أن بعد السودانيين يقوم بشراء الأدوية ويقومون بتهريبها إلى السودان لبيعها والتربح منها بسبب ارتفاع أسعار الأدوية في السودان وانخفاض أسعارها بمصر .
وأرجع مشاركون آخرون السبب وراء الأزمة أن ارتفاع عدد السودانيين بشكل كبير أدى الي زيادة الطلب ومن ثم انخفاض المعروض .
تواصلنا مع مصدر مسئول في إحدي شركات الأدوية التابعة لغرفة صناعة الأدوية المصرية وعرضنا عليه تلك الآراء لمعرفة رأيه كخبير في سوق الأدوية المصري .
أكد المسئول أن أزمة نقص الأدوية هي أزمة قديمة في السوق المصرية ومستمرة قبل توافد السودانيين بسبب الحرب ولها أسباب عديدة منها التسعير الجبري للأدوية وعدم تحريك الأسعار بما يتوافق مع التكلفة بعد انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار ,
وأوضح أن هناك جهات غير شرعية تقوم بتهريب الأدوية الي الدول الخارجية المجاورة منذ وقت بعيد وزاد ذلك في وقت الحالي استغلالا لوضع الحرب في السودان .
وتحدثنا مع محمد حامد الصحفي المختص بالرعاية الصحية في مصر عن تلك الأراء ، حيث أكد أن موضوع تهريب الأدوية زاد في الفترة الأخيرة للسودان وليبيا وفق تحقيقات نشرتها جهات صحفية مصرية محلية ودولية .
ولفت الي أن سوق الأدوية المصرية كبير جدا ويتم إنتاج الاف الأصناف الدوائية لكن المشكلة أن بعض الشركات تتوقف عن الإنتاج بسبب مشاكل في الاستيراد أو تكبدها خسائر بسبب التسعير الجبري للأدوية وهو ما جعل الشركات تتقدم بطلبات تحريك الأسعار وهو ما استجابت له هيئة الدواء المصرية وقامت برفع الأسعار كما قامت الحكومة بعمل تسهيلات للاستيراد وقامت بضخ كميات كبيرة من الأدوية الناقصة .
وأشار إلى أن مصر تصدر كميات كبيرة من الأدوية سنويا إلى السودان كما أن عدد من الشركات المصرية لديها عدة فروع بالسودان .
ووصلت مبيعات شركات الأدوية “300 مليار جنيه (6 مليار دولار منها مليار دولار حجم أدوية للتصدير بحسب أحدث تصريح لوزير الصحة المصري .
أكد لنا رئيس الجالية السودانية في مصر أن هناك عدة شائعات في مصر انتشرت في النار كالهشيم وأساءت الى السودانيين لكن المشكلة تكمن أنه بعد التأكد من عدم صحة الواقعة ، لا يعرف معظم الناس أن هذا الأمر غير صحيح وهو ما يزيد الكراهية ضد السودانيين .
وأضاف أن هناك شائعات انتشرت جدا وأثرت بشكل كبير أهمها واقعة النزلات المعوية وشائعة فيديو فتاة تتهم سودانيين بالتحرش لكن الحكومة أثبتت أن الفتاة كاذبة وهو ما أثار تخوفات من السودانيين
وأضاف : هناك حرب منظمة لعمل فتنة وإثارة الكراهية بين مصر والسودان ، وهذه الحرب تكون من خلال الشائعات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي موضحا أن العلاقة بين مصر والسودان أكبر من تلك الشائعات .
وأشار إلى أن السودانيين كانوا من زمن بعيد في مصر ويوجد جالية كبيرة لها عدة أجيال وهي المتضرر الأكبر في الوقت الحالي مضيفا : ارجو من الحكومة المصرية السماح لأبناء الجالية القديمة التعلم في المدارس الحكومية كما كان الوضع قبل الحرب .
وأشار إلى أن هناك ارتفاعا يقدر بنحو 40( في انتشار الشائعات عما كان عليه الوضع بداية الحرب .
حاورنا عدد من السودانيين حول هذه الشائعات ووجدنا تزايدا ملحوظا في معدلات الخوف لديهم من الترحيل أو تغير المعاملة من المصريين .
قابلنا عدد من السودانيين في القاهرة بحي من أحياء مدينة نصر وعدد آخر بمحافظة الجيزة في منطقة فيصل وهي منطقة تجمع كبيرة للسودانيين غرب القاهرة الكبري .
يقول عروة ويعمل ميكانيكي سيارات أنه لامس تغيرا في تعامل السكان حوله بعد أزمة النزلات المعوية حيث وجد خوفا من الناس في التعامل معه خوفا من اصابتهم بالكوليرا.
يوضح أنه يعاني من إلقاء اللوم عليه من المترددين على الورشة التي يعمل بها بسبب ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار العقارات حيث يدخل في جدال معهم حول المتسبب في تلك المشكلة.
يشار الي أن الحكومة المصرية دوما أعلنت أنها لن تقوم بترحيل اللاجئين وأنها تعتبر السودان دولة شقيقية وامتداد استراتيجي لها وتجمعهما روابط كبيرة كما أن رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي دوما كان يرفض تلك التسمية ويطلق عليهم “ضيوف مصر “.
ويقول محمود وهو بائع في محل اكسسوارات هواتف إن العديد من بائعي الجملة يبيعون منتجاتهم للسودانيين بسعر اعلى او يرفع بعض الأطباء في العيادات الخاصة سعر الكشف وهو ما يجعلنا نشعر بالعنصرية والكراهية .
واكد ان تلك الممارسات يقوم بها عدد من المحلات التجاريه وليس كلها موضحا ان الشعب المصري في معظمه يجد السودانيين كاخوه لكن وجود حملات شحن على وسائل التواصل الاجتماعي جعلت هناك ارتفاعا في حوادث عنف وكراهية ضدنا.
ويشير إلى أن هناك بعض السودانيين الذين يساعدون في انتشار تلك الأزمات عبر أفعالهم غير الجيدة وهي حالات فردية مثل سودانيين يمنعون المصريين من الدخول الى محلاتهم التجارية وأدت تلك الحوادث إلى زيادة العنصرية .
بعد كل تلك المقابلات وجدنا أن هناك انتشارا كبيرا للشائعات وانتشارا خطاب كراهية موجهة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد السودانيين .
يكون هذا الخطاب المشحون ضد السودانيين في أوقات كثيرة غير مقصود بسبب الخوف بعد انتشار الشائعات مثل أزمة النزلات المعوية حيث الخوف من العدوى دون التثبت من الحقيقة من الجهات الرسمية .
في البعض الآخر وجدنا تعمدا في نشر الشائعات وتضخيمها من أجل أهداف سياسية والبعض الآخر من أجل أهداف ربحية للسعي حول الربح مثل انتشار فيديوهات فيها اتهام للسودانيين بالتحرش او تهريب الأدوية .