د. خالد سمير يكتب: الرعاية الصحية .. الدفع مقابل «الخدمة أم القيمة»؟
الرعاية الصحية لا تخضع لمنطق العرض والطلب كما في الأسواق الأخرى، لأنها تتعامل مع حاجات إنسانية أساسية وليست مع رغبات اختيارية. فالمريض لا يختار “شراء الخدمة” بناءً على السعر أو المنافسة، بل على أساس الحاجة الطبية، وغالباً دون امتلاكه القدرة على تقييم الجودة أو الضرورة الحقيقية للخدمة. ومن هنا تنشأ العلاقة غير المتوازنة للمعلومة بين المريض والطبيب (Information asymmetry) والتي تجعل السوق الصحي أكثر تعقيدًا من أي سوق آخر.
عند الحديث عن الدفع مقابل الأداء (P4P) أو الدفع مقابل النتائج (P4R)، يجب ألا يُنظر إليهما كآليات تمويل بحتة، بل كنظم حوكمة مشتركة بين أربعة أطراف يتحملون التكلفة والفائدة معًا:
• المريض الذي يتحمل المخاطر الصحية والتكلفة الشخصية.
• المجتمع الذي يتحمل العبء الاقتصادي والاجتماعي للأمراض المزمنة أو ضعف الإنتاجية.
• مقدم الخدمة الذي يتحمل مسؤولية الجودة والمساءلة المهنية.
• دافع الخدمة (Payer) سواء كان جهة تأمين أو دولة، الذي يسعى لتحقيق كفاءة الإنفاق وتحسين العائد الصحي.
وبالتالي، فإن نجاح نماذج P4R لا يُقاس فقط بتحسين المؤشرات الطبية أو خفض التكلفة، بل بقدرتها على توزيع المسؤولية والعبء بشكل عادل بين اللاعبين الأربعة. فالرعاية الصحية هي نظام مترابط متعدد المدخلات (multi-input system)، تتأثر نتائجه بعوامل تمتد من التعليم العام إلى السياسات الاقتصادية وأنماط الحياة، وليس فقط بالإجراءات الإكلينيكية داخل المستشفى.
إن التحول من نموذج “الدفع مقابل الخدمة” إلى “الدفع مقابل القيمة” يمثل انتقالًا من منطق السوق إلى منطق المنفعة المجتمعية المشتركة، حيث يصبح الهدف ليس “كمّ الخدمات المقدمة” بل مؤشر صحة المواطن “.
أ.د خالد سمير
وكيل غرفة مقدمي الخدمات الصحية للقطاع الخاص بإتحاد الصناعات المصرية





