د. ماجد فياض يكتب: أسطورة الكشف الطبي فى 5 دقائق
“العمل الجيد لا يقاس بالوقت الذي يُنجز فيه، بل بجودته.” هكذا قال سقراط لكن بعض المرضي في مصر -وبعض أصحاب الرأي – يقولون أن الطبيب “لهف” أجرة الكشف في وقت قياسي لم يتجاوز خمس دقائق، معتبرين أنه وقتًا غير كافٍ لتشخيص المرض أو تقديم العلاج المناسب
فهل هذا الإتهام منطقي؟
هل هو مجرد وقت قصير بين مريض وطبيب ؟ أم مدة زمنية تختزل مجهودات ضخمة، أليست هذه الدقائق هي خلاصة سنوات طويلة من الدراسة والخبرة ؟
كل قرار يتخذه الطبيب أثناء الكشف يعتمد على معرفة متراكمة وخبرة صقلتها سنوات العمل
ألا نعلم جميعا أنها نتاج عمر كامل من الدراسة والتدريب والممارسة ؟
الطبيب الذي أمامك بدأ رحلته منذ طفولته، عندما قرر مواجهة تحديات شاقة لا يدركها إلا من عاشها، سنوات من الضغط في الثانوية العامة، ثم سبع سنوات عجاف في كلية الطب، تليها أعوام ممتدة من التدريب العملي والدراسات العليا، والماجستير والدكتوراه.
كل قرار يتخذه الطبيب أثناء الكشف يعتمد على معرفة متراكمة وخبرة صقلتها سنوات العمل، فالطبيب قد يختصر الزمن، لكنه لا يختصر العلم ولا المسؤولية، وكما قال الكاتب الشهير ماركوس أوريليوس:”إن الكفاءة هي القدرة على فعل الكثير في وقت قليل.”
أما علي مستوي الوقت الحرفي فقد بحثت عن دراسات حديثة تقيس مدة الكشف الزمنية في مصر والوطن العربي فلم أجد، ووجدت دراسة نُشرت في مجلة BMJ Open عام 2017، قالت أن متوسط وقت الكشف الطبي عالميًا يتراوح بين 48 ثانية في بنغلاديش( علشان نحمد ربنا أنهم خمس دقائق في مصر ) و22 دقيقة في السويد، وفي الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، يبلغ متوسط الوقت بين 10 و15 دقيقة.
لكن حين تساءلت هل وقت الكشف هو مؤشر على جودة الرعاية الصحية؟
فوجدت أن هناك دراسات عدة تقول أن جودة الكشف الطبي لا تتعلق فقط بالوقت المخصص، بل بالكفاءة والمهارات التي يمتلكها الطبيب. ففي دراسة نُشرت بمجلة Annals of Family Medicine، أظهرت أن الطبيب المتمرس قادر على تحقيق تشخيص دقيق في وقت قصير إذا كان يمتلك الأدوات المناسبة وسجلًا طبيًا شاملًا عن المريض. في المقابل، قضاء وقت أطول مع المريض ليس دائمًا إيجابيًا، بل يعكس أحيانًا تردد الطبيب في إتخاذ قرار أو نقص في خبرته.
أما في مصر، يعاني الأطباء من ضغط كبير نتيجة إرتفاع عدد المرضى مقابل عدد محدود من الأطباء، خاصة في المستشفيات الحكومية. وفقًا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية (WHO)، هناك طبيب واحد لكل 1,300 مواطن في مصر، مقارنة بطبيب لكل 400 مواطن في ألمانيا.
هذا الضغط يُجبر الأطباء على تخصيص وقت أقل لكل مريض لتغطية الأعداد الكبيرة. ورغم ذلك، يظل العديد من الأطباء قادرين على تحقيق تشخيص دقيق بسبب خبرتهم الطويلة.
أما السؤال عن كيفية تغير هذا التصور؟
1. التوعية المجتمعية: يحتاج المرضى لفهم أن الكشف الطبي هو نتاج سنوات من الدراسة والخبرة، وليس مجرد دقائق معدودة.
2. تحسين نظام الرعاية الصحية: زيادة عدد الأطباء وتوفير بيئة عمل مناسبة يساعدان على تحسين جودة ومدة الكشف.
3. الاعتماد على التكنولوجيا:
إستخدام السجلات الصحية الرقمية وأدوات التشخيص الحديثة يمكن أن يُسرع من عملية الكشف مع الحفاظ على الجودة.
لكني أري أنه ستظل هناك حاجة ملحة للمريض لوقت أطول ربما فقط من أجل البوح و “الفضفصة” وطرح المعاناة، وأتمنى التوازن بين الوقت المحدد، وتلبية احتياجات المرضي النفسية والجسدية.
بينما يري الطبيب نفسه أن قيمة الكشف تكمن في الكفاءة وجودة عمله، وليس في المدة الزمنية، وكأنه يقول يا عزيزي الأمر لا يتعلق بالوقت الذي تقضيه، بل بما نفعله ويترتب عليه من نتائج.
د. ماجد فياض
استشاري جراحات الكلى والمسالك البولية
بالمستشفى السعودي الألمانى بجدة