الدكتور عبدالعال البهنسي يكتب: المسئولية الطبية من أين الطريق ؟
لاصوت يعلو فوق أصوات الحديث عن قانون المسئولية الطبية التي أقره مجلس الشيوخ، وفي إنتظار إقراره بمجلس النواب خلال أسابيع قليلة، فالقانون تسبب في موجه كبيرة من الانتقادات والخلافات ناهيك علي أنه قد يشوبه شبهة عدم الدستورية في ناحية توقيت التطبيق حال إقراره.
ففي قراءة دقيقة ومتأنيه لمقترح القانون نجد أنه نسخة مقتبسة كثيراً من قانون المسئولية الطبية لدولة الإمارات الشقيق والذي تم إقراره في عام 2016 وتم إقرار لائحته التنفيذية بعد إقرار القانون بثلاث سنوات في عام 2019.
ولكننا في مصر المحروسة أضفنا اليه البصمة المصريه في سن القوانين وتم إضافه مادة الحبس الإحتياطي الي القانون، والتي أري أن ليس لها أي داعٍ لوجودها وأنها ستكون وصمة عار علي علينا جميعا، مما أثار غضب جموع الأطباء في مصر وأدي الي إنتفاضة عارمة علي مواقع التواصل الإجتماعي رافضة القانون بهذه الصيغه مطالبين بالتعديل والأخذ بملاحظات وتعديلات نقابة الأطباء.
لاشك أن وجود قانون للمسئولية الطبية في مصر أمر مطلوب ومحمود، وإضافه قوية إلى المنظومة الصحية التي بدأت تتشكل حديثاً بعد إقرار قانون التأمين الصحي الشامل، وتغيير شكل وجودة المنظومة الصحية تدريجياً في المحافظات التي تم تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بها.
وأكاد أُجزم أن الدول العربية التي لديها قانون للمسئولية الطبيه قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التغطية الصحية الشامله لمواطنيها والمقيمين علي أراضيها، لذا كان بالضرورة وجود قانون للمسئولية الطبية خال من الحبس الإحتياطي في الأخطاء الطبية أو المضاعفات الطبية، الذي يحمي الطبيب والمريض علي قدر سواء ولضمان إستقامة المنظومة الصحية في تلك الدول.
وبنظرة أكثر دقة للقانون المقترح إقراره في مصر بعد موافقة مجلس النواب نجد أن مادة الحبس الإحتياطي لحين إثبات وجود خطأ من عدمه لامحل لها من الإعراب، وجاءت لتعكر صفو المجتمع وتخلق حالة عدواة مستمرة بين مقدم الخدمة ومتلقي الخدمة.
وهذا يؤثر تأثيراً سلبياً علي جودة الخدمة الطبية وسيؤدي إلى عزوف الآف الأطباء عن العمل داخل مصر، وسيشجع علي الهجرة لدول الخليج أو الدول الأوروبيه التي تحمي فريقها الطبي وتوفر كافة سُبل الراحة والدعم أثناء تقديم الخدمة الطبية، وربما تؤدي إلى مايسمي بالطب الدفاعي ويجعل مقدم الخدمة الطبية ينتقي ويختارالمريض الذي يتعامل معه، وهذا يُحرم قطاع كبير من المرضي الذين لديهم حالات مرضيه معقدة من أي أمل في العلاج أو الشفاء نظراَ لعزوف الأطباء عن التعامل معهم تقليلاً وتفادياً للمخاطر الطبية التي قد تنعكس علي مقدم الخدمة.
والحل هو إلغاء مادة الحبس الإحتياطي في الأخطاء الطبية أو حتي الوفاة والرجوع إلى تقرير اللجنة الفنية لتحديد سبب وفاة المريض أو وجود خطأ طبي من عدمة وجميع الظروف المحيطة بحدوث الخطأ الطبي مع الوضع في الإعتبار أن الطبيب إذا راعي الله في عمله واتبع الأساليب الحديثة والمعتمدة في العلاج ولحق بالمريض أي ضرر أياَ كان، فلا ضمان عليه لأن الشفاء بيد الله والموت والحياة بيد الله والطبيب هنا يعتبر من الأسباب الذي أخذها المريض لعلاج مرضه.
ان مقترح القانون في صورته الحاليه والتي أقرها مجلس الشيوخ يحتاج إلى بعض التعديلات المشروعه قبل أن يخرج للنور ليكون إضافة قوية للنظام الصحي المصري بعد الوصول إلى نقظة إتفاق تلبي مطالب جموع الأطباء ونقابة الأطباء, والتعديلات المقترحة مثل:
1- إلغاء مادة الحبس الإحتياطي في القانون، فدولة عظيمة وعريقة بحجم مصر لا يليق بها أن تسجن أطباؤها أو أي عضو من أعضاء الفريق الطبي ولا يوجد أي منفعه تعود علي الدولة أو متلقي الخدمة من الحبس الإحتياطي لمقدم الخدمة وإقتصار عقوبة الحبس في حالة إثبات الإهمال المتعمد أو الخطأ الجسيم كما هو موضوع في المقترح الثاني.
2- شرح مفصل للخطأ الطبي وتعريف شامل للخطأ الجسيم والتفريق بين المصطلحيين حتي لايكون قانوناَ فضفاضا يخلق مشاكل وقضايا لاحصر لها مما يعكر صفو بيئة العمل داخل المنظومة الصحية الجديدة فالخطأ الطبي أمر وارد جداَ أثناء عملية تقديم الخدمة الطبية مثل التشخيص الخاطئ أو التشخيص المتأخر أو إعطاء المريض دواء لايتناسب مع حالته المرضية أو خطأ طبي أثناء إجراء العمليات الجراحيه مثل نسيان أحد ألادوات الجراحية أو المستلزمات داخل جسم المريض , وكل هذه الصور من الأخطاء الطبية لايُعقل أن يكون مصيرها السجن، أما الإهمال المتعمد الذي قد يؤدي بحياة المريض أو يسبب له عاهه مستديمة مثل إنتحال شخصية الطبيب المعالج علي غير الحقيقة أو العمل في غير تخصص الطبيب أو الإمتناع عن تقديم الخدمة الطبية الأولية لإنقاذ مريض حياته مُهددة او التجارب الطبية بمايخالف الاصول العلمية المتبعه وذلك علي سبيل المثال لا الحصر.
3- إلزام الهيئة القضائية بالتقرير الفني المعتمد من اللجنة العليا للمسئولية الطبية والمحدد لسبب الوفاه أو سبب الإعاقة أو الضرر الذي لحِق بالمريض والذي يُحدد مدي إدانة مقدم الخدمة من عدمه وذلك أسوة بما يحدث في المملكة العربية السعوديه علي سبيل المثال.
4- تفعيل نظام الديه طبقا للشريعه الإسلاميه في حالات الوفاة نتيجة الخطأ الطبي علي أن تتولي شركات التأمين المعتمدة لدي الدولة التغطية التأمينية ضد أخطار مهنة الطب بالإضافه الي تفعيل نظام التعويضات حسب نسبة الضرر الذي لحق بالمريض وفي كل الأحوال تلتزم شركات التامين بالتعويض نيابة عن مقدم الخدمة المشترك في تأمين أخطار المهنة.
لذا نناشد، نحن جموع أطباء مصر، السيد رئيس الجمهورية الذي نثق في حكمته بالتدخل في الأمر لأنه جلل ويحتاج إلى حكمة من نوع خاص والنظر في التعديلات المشروعة مع الوضع في الاعتبار تأجيل تفعيل القانون لحين الإنتهاء من إقرار وتطبيق التأمين الصحي الشامل بكافة أرجاء مصر، مع التأكيد علي حذف مادة الحبس الإحتياطي وذلك نوع من أنواع العدالة في التطبيق بعد توحيد وتطبيق المعايير وجودة الخدمة الطبيه في كافة محافظات مصر، وضمان توحيد مستوي الخدمة الطبية بجميع مستشفيات مصر علي المستوي الحكومي والقطاع الخاص.
فليس من المعقول أن نحاسب مقدم الخدمة الذي يعمل في ظروف صعبه تبدأ بنقص في المستلزمات والأدوية، وأحياناً نقص في مهارات طبية معينة أو تدريب، وبيئة عمل صعبة، ونساويه بمقدم الخدمة الذي يعمل في نظام صحي حديث ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل يشمل أجور طبية عادلة وساعات عمل مناسبة وتوفير لكافة التخصصات الطبية والمستلزمات والأدوية والإلتزام بالمعايير الدولية في تقديم الخدمة الطبية، ووجود نظام للجودة الطبية يدرس بإستمرار كل الظروف التي تحيط بأي مضاعفات طبية أو خطأ طبي وتعمل علي تقليله أو منعه بعد الوصول الي الأسباب الحقيقيه وراء الخطأ الطبي أو المضاعفات.
وأخيرا وليس آخر .. أتوجه برسالة الي أعضاء مجلس النواب الموقريين وأخص بالذكر لجنة الصحة الموقرة وأقول لهم المقوله الشهيرة للمفكر الجزائري “مالك بن نبي ” إذا أردت أن تهدم حضارة إحتقر معلماً وأذل طبيباً وهمش عالماً وأعطي قيمة للتافهين فبرجاء حافظوا علي حضارتنا المصريه وعظمتنا وشموخنا عبر السنين بين الدول ولا والف لا للحبس الإحتياطي للإطباء ………….
الدكتور عبدالعال محمد البهنسي
طبيب مصري قد يعتزل مهنة الطب