fbpx
أخبار البلدمنتدي الدكاترة

د. أحمد حسين يكتب: هل يخلع الأطباء ملابسهم قريبًا؟

“أطلع من هدومي” جملة عامية مصرية ينطق بها المصري غالبًا عندما تفشل كل الوسائل والحيل في إنفراجة لمشكلة لديه، وأحيانًا عند إرتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.. بشكل عام هي عبارة تعبر عن السخط والضيق، لكنها عبارة إفتراضية لم يصل حال المواطن المصري لتنفيذها كوسيلة إحتجاج على الأقل بشكل جماعي وحتى الآن.

حسب إحصائيات رسمية في مارس 2019 فإن 38 % فقط من الأطباء البشريين تحت سن المعاش والمرخص لهم بمزاولة المهنة هم من زالوا يعملون بالمؤسسات الحكومية، باقي النسبة 62% منهم إما إستقالوا من وزارة الصحة أو قاموا باجازات بدون مرتب وعملوا بالقطاع الخاص أو سافروا للعمل بالخارج، وهناك من يعمل في غير الطب وما زال مقيد بسجلات الأطباء.

هذه النسبة المتدنية ممن يرغبوا أو بالأصح مجبرين على العمل بالقطاع الحكومي، فسرها متابعون و نقابيون وأقر بها حكوميون، أنها لضعف الأجور وسوء التدريب وتدني الخدمات الإجتماعية للفريق الطبي وتوجيه اللوم والسخط عليهم، المفترض أن هذه هي الأسباب المتفق عليها ،فماذا كانت الحلول الحكومية لها؟

التوسع في إنشاء الكليات الخاصة

بفرض أنها إستثمار مشروع رغم كل ما يعتريها من نواقص في الإمكانيات وجذبها لعناصر الخبرة من الجامعات الحكومية لإرتفاع مقابلهم المادي بما يؤثر على جودة الأخيرة، فهل ستعالج الكليات الخاصة هذا القصور، يكون هذا منطقيًا لو كانت المشكلة في أعداد خريجي الطب، ولكن المشكلة في إستبقاء الأطباء في القطاع الحكومي بينما تقيم المشاكل إقامة دائمة، فهل سيقبل طبيب خريج كلية خاصة أنفق أهله ما يزيد على نصف مليون جنيه، أن يعمل في مستشفى حكومي بمتوسط دخل الفين ونصف الألف جنيه و يتنظره بعد ثلاثين عاماً معاش يربو على الألف جنيه بقليل!

الخدمات الإجتماعية

بينما تقرأ وتعايش خدمات إجتماعية متميزة لبعض الفئات من المجتمع،علاج ذات جودة عالية،ركوب المواصلات العامة من قطارات و أتوبيسات مجانًا أو بتخفيض، مدن سكنية ونوادي إجتماعية.. تجد الأطباء تعاني العلاج عند مرضها، فأقربها في أزمة كورونا ترفض وزارة الصحة إجراء المسحات التي أقرتها تأكيد للمرض للأطباء العاملين في علاج كورونا، النوادي الإجتماعية المعدودة للأطباء على مستوى الجمهورية تنتظر قضايا بردها إلى الحكومة وسجن القائمين عليها، ذلك لطلب الحكومة دفع أرباح كأنها شركات أو نوادي إستثمارية، إذا طلبت أية نقابة مهنية طبية تخصيص أراضي لإقامة مساكن لأعضائها فهي تدفع مثل أي مستثمر.

تصدير الوهم للمجتمع

مئات الأطباء وألاف من الفريق الطبي وأكثرهم من الشباب تقتلهم العدوى والأمراض أثناء تأدية وظائفهم، وغيرهم يُصابوا بإصابات تقعدهم عن العمل، طالب الكثير أن يُضم هولاء وأولئك إلى قانون صندوق مصابي وشهداء الشرطة والقوات المسلحة، فالأبسط عمليًا وتشريعيًا تعديل القانون 16 لسنة 2018، ولكن وبعد نداءات كثيرة صدر تعديل لقانون أعضاء المهن الطبية بإنشاء صندوق لشهداء أعضاء المهن الطبية منذ سبتمبر الماضي ويحتاج لتفعيله صدور قرار بتشكيل مجلسه وموارده ولمن أدرى بالأمور الإدارية والتشريعية فإن ذلك يتطلب شهور على الأقل، في وقت قارب عدد شهداء الأطباء فقط المائتين ومصابيهم تجاوز الستة الآف.

زيادة مالية هشة إن لم تكن إنتكاسة لحقوق الفريق الطبي،تضمنها تعديل قانون شئون أعضاء المهن الطبية الشهر الماضي، قيمة الزيادة 525 و 375 و 300 جنيه للأطباء البشريين والأسنان والتمريض على الترتيب وذلك قبل إستقطاع الضرائب منها، والذي يدعو للريبة أن تكون إنتكاسة هي المسمى الذي وضع تحته هذه الزيادة، فقد كان التعديل هو تغيير مسمى “بدل المهن الطبية” إلى “بدل مخاطر المهن الطبية” وسبق هذا التغيير المسمى جملة “بالإضافة إلى ما يتقاضاه أعضاء المهن الطبية من بدلات أخرى مقررة عن مخاطر العدوى في أي تشريع آخر”،التشريع الأخر الذي يتقاضى عنه الأطباء بدل عدوى آخر هو قرار بقانون لرئيس الجمهورية المتحدة جمال عبد الناصر رقم 2255 لسنة 1960 و قيمة البدل تتراوح بين 19 و 60 جنيهًا حسب الدرجة الوظيفية..يذكر أن الحكومة طعنت في يناير 2016 على حكم الإدارية العليا بزيادة بدل العدوى للأطباء إلى 1000 جنيه وفي أغسطس 2018 حكمت القضاء الإدارية بقبول طعن الحكومة و إلغاء الحكم وأرجع ذلك إلى مسوؤلية السلطة التشريعية و ليست القضائية عن إقرار تلك الزيادة،و قد تكون السلطة التشريعية نفذتها بهذه الزيادة الواهية في تعديل القانون الأخير..يذكر أن من الحلول التي توهمتها الحكومة هي وقف الإجازات بدون مرتب إلا في حدود ضيقة جدًا.

العمل الخاص

قد يظن الكثير من خارج الوسط الطبي أن إزداوجية العمل الخاص مع الحكومي بمثابة تعويض للعاملين بالحكومة عن تردي الأوضاع بها،قد يتغير رأي البعض منهم إذا ما رافقوا القطاع الأكبر من العاملين بالقطاع الخاص..الجهات المتعددة والتي أغلبها غير مهنية و التي تراقب و تقوم بالتفتيش على الأطباء في القطاع الخاص، الحكم المحلي و جهاز شوؤن البيئة و الرقابة الإدارية و العلاج الحر وانضم مجددًا للقائمة جهاز حماية المستهلك،التقدير الجزافي للضرائب،الهجوم المجتمعي و قضايا الخطأ الطبي..كل ذلك جعل من العمل الخاص طوقًا إضافيً في عنق الطبيب.

السفر بالخارج

تتناقص مزاياه تدريجيًا،فمع الأزمات الإقتصادية و أزمة كورونا لم يعد العائد المادي يكافيء المخاطرة في الدول الغربية،إضافةً إلى توجه دول الخليج لتقليل العمالة الأجنبية..ناهيك عن المضايقات و الإعتداءات التي يتعرض لها العاملون بالخارج و بخاصة في دول الخليج.

إعتراضات و مطالبات دون جدوى

كثير من المطالبات و الإضرابات و الوقفات الإحتجاجية التي قام بها الفريق الطبي،منبهًا الحكومة و مطالبًا لها بتصحيح و تحسين أوضاعه،الوقفة التي نظمها بعض الأطباء في أبريل 2013 تحت شعار”أبيع نفسي”و التي قاموا فيها بغسيل السيارات العابرة و بيع كتب الطب،ربما كانت بعد فشل الفاعليات التقليدية و ترجمة مصرية لمقولة “أطلع من هدومي”.

في نوفمبر 2018 نظموا إضرابًا ،فهي ليست الأولى ولكن الأمس كانت الأغرب والأكثر آسى الوقفة الإحتجاجية التي نظمها أطباء إقليم كتالونيا الأسباني معبرين عن عدم شعورهم بالأمان و مطالبين بتحسين أوضاعهم،فقد خلعوا ملابسهم مكتفين بالملابس الداخلية يعلوه البالطو الأبيض في دلالة على سوء أحوالهم..فهل تلك الأحوال أكثر ضنكًا مما يعيشه الفريق الطبي في مصر.

د. أحمد حسين

عضو مجلس نقابة الأطباء السابق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى