د. أحمد مبروك الشيخ يكتب: لماذا يموت الأطباء في وطني مبكرًا؟

هل انتقلنا من مرحلة هجرة شباب الأطباء إلى مرحلة موت شباب الأطباء؟!
أول أمس، توفي د. عبداللطيف فرج محمد بمستشفى التأمين الصحي بالمنصورة، بعد أن أنهى نوبتجية عمل مدتها 12 ساعة بقسم الطوارئ. مات نتيجة هبوط حاد ومفاجئ في الدورة الدموية، وقد تكررت هذه الحادثة بشكل ملحوظ ومتزايد أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.
الجميع يعلم أن ساعات العمل وحدها ليست ما تنهي حياة الأطباء، بل أيضًا ما يسمى بـ workload، أي عبء العمل وضغطه، حيث يرى الطبيب عددًا لا يُحصى من المرضى خلال نوبتجيته، ويُطلب منه أن يعمل بكامل تركيزه المرهق، وجسده المنهك، وذهنه الشارد. لا يعلم متى بدأ يومه، ويحلم فقط بمرور اليوم على خير، وألا يخطئ طوال هذا اليوم، وإلا كان القانون له بالمرصاد.
ظروف عمل قاسية، وبيئة غير آدمية، لا تدري في أي ساعة أنت، أو في أي يوم أنت. هل ما زالت الشمس ساطعة أم غربت؟ خصوصًا في الوحدات المغلقة التي لا تحتوي على أي نوافذ. هناك نقص في المستلزمات، وتكدس في العمليات، ونقص حاد في عدد أسرّة العنايات، وكل ذلك يؤدي إلى احتقان الأجواء، وارتفاع المشاحنات والتعديات، وتراشق بالألفاظ، وكثيرًا ما تصل الأمور إلى مشاجرات بالأيدي، في غياب تام للأمن.
هل أيٌّ من هذا العجز يُعد ذنبًا من ذنوب الطبيب ليحاسب عليه؟! ومع ذلك، يُحاسب الطبيب وحده؛ لأنه الحلقة الأضعف، وكأن دمه مستباح، أو لأنه الوحيد الذي يستطيع المريض وأقاربه الوصول إليه والاعتداء عليه!
هل هذه بيئة عمل مناسبة لإنجاز أي مهمة؟! توقّف صرف الوجبات للطبيب المقيم، وفي بعض الأماكن لا يوجد سكن من الأساس! وفي ظل هذا كله، يُطلب منه العمل بدقة، والدراسة، وخوض الامتحانات، وتحسين دخله، والزواج.
لا تنسوا أن هذا الطبيب إنسان، مطالب بأن يدخر من أجل معيشته، ويحلم بتكوين أسرة، ولا سبيل أمامه لزيادة دخله إلا بإضافة ساعات عمل أخرى في أماكن خاصة. فينتقل من نوبتجية 24 ساعة إلى 48 ساعة عمل متواصل، ثم يتجه إلى عمل آخر في مكان مختلف. تراهم كثيرًا في محيط المستشفيات الجامعية والتعليمية والصحة وفي جميع القطاعات، في الشارع وفي المواصلات، مرتدين بدلة العمليات ويحملون حقائب ملابسهم، لأنهم لا يملكون أي رفاهيات، حتى أبسط الحقوق مثل تغيير ملابسهم. ليس هناك وقت، لا من أجل الاسترخاء، بل حتى من أجل أن يختطفوا — ولن أقول نومًا عميقًا — بل إغماءة مرهقة أو غيبوبة لا تتعدى الساعة خلال نوبتجية العمل.
حينما كنت نائبًا في بداية حياتي كطبيب، كنت أعتبر نهاية كل شفت عمل انتصارًا شخصيًا، ونجاحًا أضعه في سيرتي الذاتية، وأتفاخر به أمام أهلي وأحبائي، أنني أنهيت الشفت وأنا على قيد الحياة، ولم أتعرض لاعتداء أو أُضطر للذهاب إلى قسم الشرطة.
حضرتُ كثيرًا من زيارات السادة المسؤولين للمستشفيات، ولم أرَ مرةً أحدهم يسأل طبيبًا عن أحواله أو احتياجاته أو مطالبه. بل تقتصر الزيارات على تفتيش دفتر الحضور والانصراف، والتقاط الصور مع المرضى، وحديث ودي معهم، وابتسامات من أجل الصورة، ليتم نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع السادة المسؤولين. وهكذا يتحول المرور من إجراء ذي جدوى لإيجاد حلول، إلى مجرد “مرور الكرام” بتمثيلية مكررة.
إن حياة الأطباء قاسية إلى أبعد حد، وليس لها صك حرية. فهي دوامة بلا نهاية، والأطباء في مصر لم ترحمهم الدنيا، وفي الوقت نفسه عليهم أن يبتسموا ويمدوا أيديهم بالرحمة للجميع. فكيف يرحم من لم يُرحم؟! فأصبح صك الحرية للأطباء هو الرحيل، سواء بالهجرة أو بالوفاة.
د. أحمد مبروك الشيخ
مقرر لجنة الإعلام بالنقابة العامة للأطباء