د. عمر طلب يكتب: السياحة العلاجية.. مصر تستطيع بإرث الأجداد ومهارة الأحفاد
نعم مصر تستطيع، وإجابة هذي الأسئلة تخبرنا لماذا؟، كيف يمكن للسياحة العلاجية أن تصبح احدى أدوات مصر وقوتها الناعمة بل وكيف يمكن أن تكون بذات الوقت مصدر لقوتنا الاقتصادية؟
ولكن في البداية دعونا نتعرف سويًا على مفهوم السياحة العلاجية، السياحة العلاجية بالمفهوم الحرفي هو انتقال فرد من بلده إلى بلد أخر لغرض علاجي، وهذا الغرض يفرض تقسيمات داخلية تحت مفهوم السياحة العلاجية، قد يكون الغرض العلاج الطبي او الجراحي داخل منشأة طبية، أو لغرض الاستشفاء البيئي بموارد الطبيعة كالبحيرات الطبيعية والرمال والعيون الكبريتية وغيرها، أو بغرض التأهيل النفسي والبدني عن طريق المنشات الصحية المخصصة لذلك كعلاج الإدمان والعلاج النفسي وتأهيل ما بعد الإصابات والحوادث.
إذا قرأت بإمعان مقدمة هذا المقال فأنا أستطيع الجزم بأنك ستقول مباشرة مصر لديها كل تلك المقاصد، ولكن بعيدًا عن سردها دعنا نتذكر سويًا أن بها الأكثر، مصر لديها البنية التحتية القوية، مصر لديها الفنادق والمنتجعات، مصر لديها الطرق والمواصلات والمطارات، مصر لديها الموقع الاستراتيجي والجغرافي المتميز مصر لديها المعتدل، ولكن هناك دول أخرى لديها الكثير من هذا وهنا نطرح السؤال الأهم، ماذا تمتلك مصر ولا يمتلكه العالم او ما يعرف في اطار الاقتصاد والاعمال بالميزة البيعية الفريدة او Unique selling point.
دعني أجيبك على هذا السؤال بشيء من الايجاز لأن ليس مفاجأة هنا أن العالم بأكمله يعلم أن مصر لديها التاريخ والآثار والمقاصد السياحية التي لا تنافسها دولة على ظهر هذا الكوكب فيها، الأجداد تركوا لنا على مر العصور من التاريخ والثقافة والحضارة وجسدوهم لنا في تلك الصور البديعة من الاثار والمساجد والمعابد والمزارات والأبنية.
مصر لديها العديد من نقاط البيع الفريدة، فاليوم نحن دولة متقدمة طبيًا في منطقتنا، لدينا من الخبرات الطبية ما نصدره لكل ارجاء الدنيا، لدينا من المنشآت الطبية والمستشفيات ما ينافس نظائره عالميًا وفي كل التخصصات، كل هذه وتكلفة تلك الخدمات لا تقارن بالدول المجاورة ولا يجوز وضعها بالمقارنة مع دول أوروبا وأمريكا، فإذا كنا نمتلك كل هذا يتبقى سؤالين للإجابة عليهم.
الأول: أين نحن من هذه الصناعة الواعدة؟ والثاني: ماذا ينقصنا لنصل إلى ما نستحق بهذه المقدرات؟
إجابة السؤال الأول تتلخص بأن هذه السوق سنويا ما يفوق 116 مليار دولار ويتمدد سنويا بنسبة تفوق ال 10 بالمائة، مصر تأتي في المرتبة الرابعة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية، لدينا منافسين أقوياء ولديهم تاريخ قوي في السياحة العلاجية – رغم ضعف مقدراتهم بالمقارنة- مثل تركيا ولبنان وتونس مؤخرًا، ولا يجب أن ننسى هنا الجهود الرائعة التي تقودها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات الشقيقة في تطوير هذه الصناعة، وبالطبع هو حق مشروع لأى دولة تريد استغلال مقدراتها وهذا يأخذنا لإجابة السؤال الثاني.
نحن لا ينقصنا إلا النظام والتنظيم فقط لا غير ،ينقصنا توجه منظم تحكمه هيئة مستقلة مختصة بالسياحة العلاجية، قوانين تنظم عمل القطاع العام والخاص في هذه الصناعة تؤمن سهولة ومرونة دخول المرضى الأجانب وتيسير إصدار تأشيرات للعلاج، ينقصنا تدعيم الشركات الناشئة في هذا المجال وتنظيم عمل المنشات الطبية التي يمكنها استقبال هذه النوع من السياحة التي تتطلب منظورًا خاصا للتعامل مع عملاء هذه الصناعة من ضيوفنا المرضى الأجانب.
ولكن عودة إلى الوراء قليلًا نظرة إلى الإعلام المصري وتناوله للقضايا الطبية وسمعة الطبيب المصري، لذا لابد من قانون قوي يدعم الصناعة ويحفظ أمن الطبيب والمنشاة الطبية وسلامة المرضى ” قانون المسؤولية الطبية ” الذي ما زال حبيس أروقة البرلمان، ينقصنا ترسيخ حقيقي لميثاق الشرف الإعلامي و آلة إعلامية مدعومة حكوميا للترويج لأنشطة السياحة العلاجية عبر القنوات الرسمية وإبراز مقدرات بلادنا وعلى راسها الطبيب المصري الماهر، ينقصنا دعم شركات القطاع الخاص لحضور المؤتمرات العالمية والدولية في هذا المجال، وعقد الشراكات الدولية التي تخدم وتيسر انتقال مرضى الدول المجاورة على الأقل كمرحلة أولى – فنحن أولى بأشقائنا العرب واخواننا الافارقة – الذي يسافرون للعلاج في دول أوروبا وأمريكا وأحيانا يكون الطبيب المعالج هو مصري بالأساس.
ينقصنا فقط شيئان نحقق بهم كل ما ينقصنا الايمان والقرار، الايمان بمقدراتنا بأننا نستطيع والقرار على كل المستويات بالتنفيذ لصالح صناعة يمكنها أن تكون مصدر الدخل الأول من النقد الأجنبي لهذا البلد وأن تصبح أحيانا أحد أدوات قوتنا الناعمة خاصة في منطقتنا وفي قارة افريقيا.
د. عمر عبد اللطيف طلب
الرئيس التنفيذي
شركة جفرنايل لحلول الاعمال والسياحة العلاجية