الدكتور عبدالعال البهنسي يكتب: مسلسل إهانة الأطباء

لم أكن اتخيل أن يأت اليوم الذي يخرج فيه عمل درامي يُسئ إلى ملائكة الرحمة، ويعرض صورة مسئية للطبيب المصري مغايرة تمامًا للحقيقة، بل يُغالي المسلسل في الإساءة والإهانة بمشاهد لاتحمل أي نوع من أنواع الإحترام لرمز وقيمة الطبيب، بل لم أكن اتخيل أن هناك من يهدمون القيم والأخلاق في المجتمع المصري ويهدمون الثوابت الراسخه في نفوسنا عن صورة الطبيب المصري الذي إستحق ويستحق كل إحترامِ وتقدير.

بالأمس القريب كان أطباء مصر هم أبطال الجيش الأبيض الذين يُضحون بأنفسهم وأرواحهم في مواجهة وباءِ غاشم، بالأمس كان الأعلام المرئي والمسموع والمقروء يتغني ليل نهار بتضحيات الفريق الطبي في شتي ربوع مصر، واليوم وللأسف الشديد نجد عمل درامي يُسئ إلى صورة الطبيب في المجتمع كما عهدناها، بل إن المسلسل يُغالي ويُزايد في الإساءة للطبيب الذي نال الإحترام والإشاده في شتي بقاع الأرض نظرًا لكفائته العلميه وأخلاقه النبيلة.

ولا أجد أي مبرر لا منطقيًا ولافلسفيًا ولا حقوقيًا ولا فنيً في الإساءة إلى الطبيب المصري بهذه الصورة الفجة

ولا أدري كيف خرج هذا العمل الدرامي إلى النور بهذه الصورة الغريبة عن قيم مجتمعنا، وأين الرقابه علي المصنفات الفنية؟!!! ولمصلحة من يتم تشويه الصورة الذهنيه للطبيب ؟!!! فالعمل الدرامي يحمل ألفاظًا بذئية وطريقة حوار متدني للغاية لم نعهدها من قبل في أي عمل درامي، علي سبيل المثال لا الحصر الجمل التي وردت بالمسلسل ( الواد الدكتور أهو – الدكتور الجديد شكله عبيط – إنت بتوزع حمص في مولد النبي- أنا لسه بتفرج علي كرتون)، ناهيك عن طريقه تعامل الموظفين بالوحدة الصحية مع الطبيب بطريقه تحمل كل أشكال الإستهزاء وعدم الإحترام والتقدير.

لم يقف الأمر عند ذلك فحسب بل إن هناك مشهد من المشاهد الصادمة وهو إلقاء القبض علي الطبيب بملابس لاتليق أبدًا وإقتياده الي قسم الشرطة وقيام ظابط الشرطة بإستكمال مسلسل السخريه من الطبيب، ومشهد أخر للطبيب يقوم بحركات بهلوانيه أثناء القيام بعملية جراحيه تنتهي بنسيانه الموبايل في بطن المريض.

إننا لانُحارب الفن ولا حرية الإبداع ولانُنكر الرسالة العظيمة التى يقوم بها الفن في مناقشة قضايا المجتمع، ولكن هناك شعرة بين حرية التعبير والإساءة، ولا أجد أي مبرر لا منطقيًا ولافلسفيًا ولا حقوقيًا ولا فنيً في الإساءة إلى الطبيب المصري بهذه الصورة الفجة، وكنت أتمني أن يخرج العمل الدرامي المستوحاه من قصة في صورة هادفه بدلًا من الصورة الساخرة والمزيفة التى خرج بها المسلسل ليناقش مشاكل الأطباء حديثي التخرج التي يواجهوها في بداية تخرجهم وخروجهم للحياه العمليه، وإلقاء الضوء علي البيروقراطيه التي يواجهوها في بداية حياتهم الوظيفية، بالإضافة إلى العمل في المناطق النائية بعيدًا عن الأهل والأقارب ومشاكل التدريب الطبي المستمر، والحصول علي الدراسات العليا وساعات العمل والأجور المتدنيه بالمقارنة بمثيلاتها في دول الجوار.

وأقول للقائمين علي هذا العمل الدرامي ياسادة إذا كان الحاضر صعب والمستقبل مجهول، فاتركوا لنا التاريخ بلا تزييف لنفخر به ونعيش علي ذكراه، ولا تتعمدوا خلق تاريخ مزيف لايَمُت لحضارتنا وعاداتنا المصرية العريقة بأي صلة.

وأخيرًا إنني أطالب كمواطن مصري أولًا وكطبيب مصري ثانيًا يَغار علي وطنه وسمعة بلاده، أطالب بمنع عرض هذا العمل الدرامي المسئ إلى سمعتنا كدولة عريقة ومحترمة لها تاريخ قبل أن يُسئ إلى فئة الأطباء.