أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

محمد حمدي يكتب: انقذوا صيدليات مصر.. أو سنندم جميعًا

في إحدى القرى النائية التي تبعد عن أقرب المستشفيات بضع أو عشرات الكيلومترات، تهرول الأم إلى الصيدلية لتستشير الصيدلي في وعكة صحية مفاجئة ألمت بطفلها.. قبل ذلك تهاتف امرأة عجوز الصيدلي لأنها تناولت أدوية بديلة لأخرى.. ثم يصل شاب مرافقًا لوالدته المريضة ليقيس لها الضغط.

هذه المواقف المعتادة يوميًا مجرد أمثلة للخدمات المجانية التي تقدمها أغلب الصيدليات في ربوع مصر، إلى جانب دورها الأساسي في بيع الدواء للمرضى والجمهور.. فالصيدلية هي خط الدفاع الأول للصحة في البلاد، وأول مكان يلجأ له المواطن البسيط عند مروره بأي ظرف طارئ لصحته أو صحة أسرته.

الواقع يقول إن الصيدلية في مصر تقوم بجزء كبير من دور الوحدة الصحية، خاصة في القرى والمناطق النائية والشعبية، والأحياء الأكثر فقرًا.. وحتى تتحسن الأوضاع، وتؤدي كل جهة دورها كاملًا، يجب علينا الحفاظ على كيانات الصيدليات لدورها القومي، إضافة إلى أنها مشاريع صغيرة ومتوسطة يعمل بها مئات الآلاف من المواطنين.

في السنوات الأخيرة تتعرض الصيدليات لأزمات اقتصادية كبيرة، تهدد استقرار عدد ليس بقليل منها.. وبالفعل اتجه عدد من أصحاب الصيدليات إلى غلقها، بل وتغيير نشاطها، وهو الأمر الذي يضر بالاقتصاد القومي، كما يضر بالمواطن الذي يحتاج إلى الصيدلي بجانبه.

أزمة بيع الدواء بأكثر من سعر

الصيدلية اقتصاديًا تشبه المشروع التجاري، ورأس مالها يتمثل في كمية الأدوية والمنتجات الموجودة بها، وإذا كانت صيدلية تمتلك مثلًا مائة علبة دواء بقيمة ألف جنيه، ويبيع الصيدلي الدواء بسعره القديم، من المفترض أن يحصل على ربحه ثم يشتري مائة علبة أخرى.. ولكن الواقع الآن -مع ارتفاع أسعار الأدوية مرتين في العام- هو أن الصيدلي لا يحصل على ربح حقيقي، ويضطر إلى شراء ستين أو سبعين علبة بالسعر الجديد، فيجد أن رأسماله يتناقص بدلًا من أن يزيد، أو أن يحقق هامشًا جيدًا للربح.

الحل هو إلغاء قرار البيع بأكثر من سعر، والعودة لما قبل عام 2016، حيث كان الدواء يُباع بآخر سعر له، مع تشديد الرقابة على شركات التوزيع والمخازن والصيدليات لضمان عدم تخزين الأدوية، علمًا بأن هذا الأمر بات صعبًا في الفترات الأخيرة لعدم توفر كميات كبيرة من الدواء كما كان سابقًا.

مصروفات الصيدلية

ليست أزمة البيع بأكثر من تسعيرة هي المشكلة الوحيدة التي تواجه اقتصاديات الصيدليات في الأشهر الأخيرة، ولكن أيضًا هناك مشكلة ارتفاع مصروفات الصيدلية بشكل كبير، من مياه وكهرباء ومصاريف نظافة وصيانة ورواتب وضرائب وتأمينات وخلافه.. وفي مقابل ذلك هامش ربح الصيدلي لا يزال ثابتًا.

الأولى أن تُعامل الصيدليات على أنها مشاريع خدمية، ويتم تحصيل رسوم الخدمات كالمياه والكهرباء بالتعريفة السكنية أو الخدمية، وليس التجارية.

عتاب على الصيدليات ونقابات الصيادلة

حتى تستطيع الصيدليات الصغيرة والمتوسطة أن تعافر، وتتواجد وسط سيل من سلاسل الصيدليات الكبرى الذي يجتاح مصر، يجب على الصيدلي أن يقوم بدوره الحقيقي في إرشاد المريض عن كل ما يخص الدواء، ومتى يتناوله، وكيف يتناوله، والمحاذير من تناوله إذا كان يعاني من أمراض بعينها.. كل تلك الأمور البسيطة يجب أن يتحدث بها الصيدلي مع كل مريض يشتري منه الدواء، دون أن يطلب المريض ذلك، وهو ما سيؤدى إلى ارتباط المريض أكثر بالصيدلية.

كما يجب على نقابات الصيادلة -التي لا تؤدي دورًا فعالًا للأسف- أن تضع برامج تدريبية لرفع كفاءة الصيادلة، وتنمية مهاراتهم بشكل عملي يفيد الصيدلي في مهارات التعامل مع الجمهور والتسويق والإدارة، فضلًا عن المهارات العلمية، وخلق حلولًا جديدة في مواجهة تحديات الصيدليات من سلاسل وتجارة إلكترونية وغيرها.

وبالطبع يجب ألا ننسى أن غياب دور النقابة العامة للصيادلة بشكل كامل بسبب خضوعها للحراسة القضائية، يزيد من الأمر تعقيدًا.. وفي أسوأ أحوال النقابة لن تكون أسوأ من وجودها تحت الحراسة.

والشاهد، أن الصيدليات في مصر تؤدي دورًا هامًا يتعدى نشاط بيع الدواء، وهو دور صحي ومجتمعي هام جدًا، ولو انهارت الصيدليات الصغيرة والمتوسطة سيؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على القطاع الصحي الحكومي المنهك في الأصل.. وبالتالي إما أن ننقذ الصيدليات من هذا الخطر، أو أننا سنندم جميعًا.

محمد حمدي 

رئيس تحرير دكتور نيوز

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى