fbpx
أهم الأخبارمنتدي الدكاترة

 الدكتور محمد الجزار يكتب: قمه سوء الحظ أن تكون طبيب مصري

فمن بداية دخولك إلى الكلية وسوف تبدأ رحله لا متناهية من العذاب والضغط النفسي الشخصي والعائلي، عذاب ضعف الموارد والإمكاناتيات التعليمية، ونظام الامتحانات والتقييم، التى لا تخضع لأى معايير غير أهواء وانماط شخصية. لن أخوض كثيرًا فى فتره الكلية لأنها تأتى فى فتره قد يكون الإنسان قادرًا على تحمل هذا القدر من الضغوط، وإن كان فى ذلك ظلم كبير له فى المستقبل.

تأتى الخطوة الثانية فى حياة الطبيب، وهو سنة الإمتياز، والتي يتم معاملته فيها وكأنه عامل، ولكنه يتقن اللغة الإنجليزية إلى حد ما، فيصبح مرسال القسم فى المشاوير والمخاطبات الرسمية، وطبعًا يقاتل فى الصفوف الأماميه أثناء الإعتداء على الإستقبال؛ والذى يحدث بشكل دوري فتنمي مهاراته على القتال، افضل من المهارات الطبية. المهم إن تقريبًا فى الإمتياز ممكن تطلع بتعرف تخيط جرح تجرى تقول الخقونى وكمان حتعرف شكل كيس الدم كويس.

بعد سنة جديدة ضائعه، تدخل إلى عالم المجد الوظيفي، عبر بوابه الحكومة لتصبح موظف درجة ثالثة، بائس لا فرق بينك وبين أى خريج آخر رغم اختلاف ما مر به كلا منكم، وعندما تصرح بذلك ستكون الاجابه أن الأساسي بتاعك أكتر منه 4 جنيه و35 قرشًا، (سيقولها لك بمنتهى الفخر والحقد)، فتجد نفسك تبتسم فى بلاهه ليست الأولى ولا الأخيرة.

المهم سيتم تكليفك بإحدى الوحدات الصحية، فى القرى لمده تتراوح بين 6 أشهر إن كنت محظوظا إلى سنتين، لتلقي أشد أنواع التنكيل والعذاب فى وحده صحيه، قد تكون تكلفت ملايين الجنيهات، ولكنها بلا علاج أو نظام، ووقتها يطلب منك فجأه أن تكون الطبيب الخارق؛ الذى يعالج الأطفال والكبار والنساء، وتكتب شهادات الميلاد والوفاه، وأنت أصلاً علاقتك بالسماعة لا تتعدى ساعات معدوده.

لن اتطرق إلى نقطة التجنيد، والتى غالبًا ما تكون أثناء التكليف، لأنها لا تصيب الجميع ولكن ببساطه أن كنت من هؤلاء فأضف إلى حياتك من 18 إلى 40 شهر من الجمود على مستوى الحياة عموما والعمل الطبي خصوصا.

إن كنت لا تزال حيًا بعد كل هذا (كلية وإمتياز 7 سنين + تكليف سنة + التجنيد) فستكون فى عمر الـ 25 سنة تقريبًا، طبيب تكليف فى إحدى القرى أو إحدى المدن الحدودية النائيه، مرتبك الشهري فى حدود 1200 جنيه، تقف فى طابور الحمقى تنتظر بداية تعليمك بأن تحصل على مكان بحركة النيابات الدورية لتبدأ طريق التخصص؛ طريق مدته لن تقل بأى حال من الأحوال عن 5 سنين، وليس مثل أى مجال آخر، قد بدأ التخصص أثناء سنين الكلية، أو حتى تلقي بعض “القرصات” بعد الدراسه.

5 سنين هى ما تحتاجه لتكمل شهاده مثل الماجستير أو الزمالة المصرية. وللأسف تلك الفترة هى الفيصل فى حياة أى طبيب؛ لأنها فترة التعليم الحقيقية والسهر والعطاء بلا مقابل سوى ثقل المهارات الطبية، والتى سيكمل حياته المهنيه مستندًا عليها. للأسف هى فتره تقشف مالى بحت لأن مصاريف الحياة والدراسة ستتخطى مرتبك الهائل 2000 جنيه تقريبًا، وللأسف لن تستطيع أن تأخذ أى خطوة فى مجال الإرتباط والزواج، إلا بدعم مالى كامل من الأهل، سواء للبدايه أو حتى مصاريف الإستمراريه فغالبًا حتقضيها لوحدك يا نجم.

أنت الآن فى عمر الثلاثين تقريبًا، “المتفائلين المجتهدين”،.طبيب أخصائي حاصل على الماجستير أو الزماله فى تخصصك، لاتزال على الدرجة الثالثة، تنتظر الترقيه إلى مساعد أخصائي أو أخصائي بتخدم فى مناطق نائيه لمدة 8 شهور، فى محاوله أن أنسيك اللى كنت بتتعلمه فى تخصصك. خدتلك علاوة 100 جنيه للماجستير، ولكنك لم تحصل عليها لعدم وجود اعتمادات ماليه. 

قد تترك مكان تعليمك، وتذهب إلى مستشفى طرفيه لا تمتلك أصلاً قسم تعمل بيه ولكن انتدابك خلص. تريد السفر للعمل بالخارج ولكن يلزمك مرور سنتين بعد الماجستير على الأقل، والأهم من ذلك أن مرتبك لا يزال فى حدود 2500 جنيه، قد لا يكفى إيجار شقه بمصارفيها شهريًا.

ستجد نفسك وحيدًا تحارب الفقر والجهل والمرض وضعف الإمكانيات، وتعسف المديرين والرؤساء، وإنك أنت الملام دائمًا فى كل موقف. ستجد نفسك ما بين الشغل الحكومي و العمل الخاص، لا تصل إلى بيتك إلا لتنام فقط، أن لم تكن تقضي ليلتك بإحدى المستشفيات. ستجد نفسك محاصر بين متطلباتك الشخصية والأسريه دون حلول واقعيه أو مستقبليه. ستجد ضميرك يصيبه الوهن والفتور وهذه هى أخطر ما قد يصيبك.

تأتى بعد كل هذا الكفاح لتجد من يعبث ليس بمستقبلك فقط، بل وماضيك أيضًا فيتخذ قرارات مثل إلغاء ترقيه الحاصلين على الماجستير لدرجة استشارى، أو عدم الإعتراف بشهاده معينه، أو محاربة الكادر، أو التضييق فى القبول للدراسات العليا، و الزماله.. أو.. أو.. أو.. ، فى ظل نقابة أطباء عاجزة منبطحه غير قادره على أى شئ سوى بكاء وعويل أعضائها على صفحات “الفيس بوك”، وغير قادره حتى عن الدفاع عن نفسها، فما بالك بجموع الأطباء المقهورة من خلفهم.

الخلاصه من كل ما سبق أن الطبيب فى مصر يتعرض لأقصى درجات الظلم و الضغط والعشوائيه، منذ دخوله إلى الكلية، وحتى نهاية تعامله مع النظام سواء كان بالسفر أو الإستقاله أو المعاش أو حتى وصوله إلى مثواه الأخير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى